إستقطب الوضع الأمني في مخيّم عين الحلوة الاهتمام على المستويات كافّة خلال الأيّام الماضية، بفعل حوادث أمنية متلاحقة وضعته تحت المجهر مجدّداً. وإذا كانت التوتّرات المتنقّلة ليست جديدة على المخيّم المزدحم بمجموعات مسلّحة متنافسة وبأجندات متضاربة، إلّا أنّ ما يدعو إلى قلق بعض المراجع في هذه المرحلة هو انّ التشنّج المتجدّد على الأرض يأتي بالترافق مع تطوّرات لبنانية وإقليمية قد تدفع نحو السيناريو الأسوأ ما لم تتدارك الفصائل الفلسطينية والسلطة اللبنانية المحظور قبل وقوعه.
وقد سُجّلت أخيراً عودة للحوادث الدامية التي كان أحدثها قتل أحد السلفيين المتشددين الفلسطيني هيثم السعدي بدم بارد قبل أيام، الأمر الذي أدى الى استنفار امني واحتقان في بعض أحياء المخيم، بالترافق مع اضراب احتجاجي واعتصام شعبي طالب بتسليم القاتل الى الدولة اللبنانية، وهو مطلب شدّدت عليه ايضاً الفصائل.
على خطّ معاكس، نجح الجيش اللبناني في تنفيذ عملية مخابراتية نوعية ونظيفة أفضت الى الظفر بصيد ثمين تمثّل في توقيف الفلسطيني بهاء الدين محمود حجير بعد استدراجه من «عين الحلوة»، وهو متّهم بالعمل لصالح «داعش» والتخطيط لتنفيذ عمل أمني خارج المخيم الى جانب ارتباطه بالانتحاريين اللذين استهدفا السفارة الإيرانية في بئر حسن.
وعليه، يبدو انّ هناك سباقاً محموماً بين محاولات زجّ المخيم في نفق الاقتتال والفوضى وجهد الجيش والأجهزة الأمنية بالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية لضبط الموقف و»اصطياد» المطلوبين للعدالة ممن يشكّلون خطراً داهماً على «عين الحلوة» والأمن اللبناني، على حدّ سواء.
وعلمت «الجمهورية» انّ وفداً قيادياً من «حركة حماس» سيزور غداً السفارة الفلسطينية في بيروت للقاء السفير أشرف دبور وممثلين عن «حركة فتح»، في إطار السعي الى تحصين الساحة الفلسطينية ومنع ايّ طرف من اللعب على وتر التباينات بين الجانبين لتسهيل العبث بالواقع الأمني وتنفيذ الاجندات المشبوهة.
ومن المفترض ان يزور لاحقاً وفد من «فتح» قيادة «حماس» في مقرّها لتعزيز التنسيق المشترك وتثبيت اتفاق المصالحة او «ربط النزاع» الذي تمّ بينهما في آب الماضي برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وبرّي الذي يستشعر بخطورة الوضع في «عين الحلوة» ويدرك حجم الاستهداف للساحة الفلسطينية عموماً كان قد قاد جهداً مضنياً لترتيب العلاقة بين «فتح» و»حماس» في لبنان، إضافة الى انّه احتضن في «عين التنية» اجتماعاً ضمّ 20 فصيلاً فلسطينياً وانتهى الى التوقيع على وثيقة العمل المشترك.
ويقول قيادي فلسطيني كبير لـ»الجمهورية» انّ هناك علامات استفهام كبرى حول بعض الأمور التي حصلت أخيراً في مخيم عين الحلوة، مبدياً تخوّفه من احتمال وجود مخطط لتفجير المخيم وزجّه في فتنة خبيثة، بهدف تحضير مسرح العمليات لتهريب صفقة القرن وتطويع فلسطينيي لبنان لها.
ويلفت القيادي البارز الى انّ واقع المخيمات في لبنان ولاسيّما «عين الحلوة» هو هشّ الى درجة انّه قابل للتأثر بأيّ حدث أمني او سياسي، محذراً من تداعيات القرار الأميركي بوقف تمويل الأونروا، وقرار إحدى الدول العربية الأساسية بالامتناع عن التعامل مع وثائق السفر الفلسطينية، «إذ انّهما يؤشران بوضوح الى انّه بدأ تحضير الأرض لتنفيذ صفقة القرن وتصفية حقّ اللاجئين بالعودة.»
وينبّه القيادي نفسه الى انّ دولاً وأجهزة مخابرات خارجية ربما تخطّط لإغراق المخيمات، خصوصاً «عين الحلوة»، في صراعات دامية بغية تهجير جزء من اللاجئين وتصفية القضية الفلسطينية، لافتاً الى وجود مجموعات صغيرة ومشبوهة في المخيم تحمل بنادق معروضة للإيجار ومستعدة لإشعال الحرائق حتى يمرّ المخطط المريب خلف دخانها.
ويعتبر القيادي الفلسطيني البارز انّ مسار المحكمة الدولية لا ينفصل عمّا يرسمه البعض للمخيمات، معرباً عن اعتقاده بأنّ ايّ حكم بإدانة عناصر من «حزب الله» في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيصبّ في خانة رفع منسوب التحريض المذهبي الذي سيكون بمثاية فتيل قابل للاشتعال في ايّ لحظة، ولافتاً الى انّ أصحاب الغرف السوداء يعرفون انّ ايّ معركة مذهبية في لبنان لا تكتمل عدّة وعديداً من دون ان يكون «عين الحلوة» جزءاً منها.
ويدعو القيادي إياه جميع المعنيين، على المستويين اللبناني والفلسطيني، الى التنبّه واليقظة لمنع المشاريع المشبوهة من استهداف أمن المخيمات ومحيطها، مشيراً الى انّ معظم الفصائل تعي المخاطر المحدقة وتتصدى لها، «وهناك تواصل وتنسيق مع أجهزة الدولة اللبنانية و»حركة امل» و»حزب الله» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» بغية إجهاض ايّ محاولة لإشعال النار في الواقع الفلسطيني والجوار اللبناني.»