وصف رئيس الكنيسة الانجيلية في حلب القس ابراهيم نصير الوضع في المدينة بالـ"المترقّب بحذر"، لافتا الى أن "انتخابات مجالس الادارة المحلية وسير العملية الانتخابية، ترك انطباعا إيجابيا من ناحية اعادة الهيبة للدولة، والعودة الى ديناميكية الحياة الاجتماعية والسياسية"، لكنه أشار الى أن "واقع مدينة ادلب الخارج عن سيطرة الدولة، وواقع التجاذبات الدولية بشأن هذه المدينة، ترك تحفظا ملحوظا لدى عامة الناس، حيث كان الجميع ينتظر تحريرها بواسطة الجيش العربي السوري لما ينعكس ذلك ايجابا على مدينة حلب، وذلك بسبب الموقع الجغرافي لمدينة ادلب حيث جبهات الإرهابيين المسلّحين تمتد الى الحدود الغربية لمدينة حلب". واعتبر نصير في حديث لـ"النشرة" أنه "لا يمكن أن نقول بأن حلب عادت الى ما كانت عليه بعد حرب دامت لأكثر من ٧ سنوات، لكن كلمة حقّ ينبغي أن تقال بأن المدينة هي في طور التعافي، وبأن السلطات المحلية والقيادات في دمشق تبذل جهودا جبارة لإعادتها الى ما كانت عليه، فلا يكاد يمر يوما دون تواجد احد الوزراء للاطلاع بأم العين على تحسن الأحوال".
وأوضح نصير أن "واقع الكهرباء أصبح أفضل بكثير حيث تتوفر بشكل أكثر من جيد مع وجود لبضع ساعات للتقنين مقارنة في الواقع السابق، كما أن واقع المياه اصبح ممتازا وتتوفر المياه بشكل شبه دائم". وأضاف: "أما حركة السير وتواجد الشرطة المدنيّة بكل اختصاصاتها يعطي انطباعا بالأمان".
التحديات في حلب
وعن أبرز التحديات التي تواجه أبناء مدينة حلب، "وهي بمعظمها نفس التحديات التي تواجه أبناء سوريا"، قال نصير: "التحدي الاول، هو تحرير كامل التراب السوري من الارهاب الذي ترك عددا كبيرا من الشهداء والضحايا. التحدي الثاني، هو وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا والتي يتعامى عنها العالم الغربي والمنظمات الانسانية الحقوقية الحكومية وغير الحكومية. التحدي الثالث، هو رفع الحظر الموضوع على الشعب السوري حيث يقف ذلك حجر عثرة أمام تطوير الواقع الخدمي والصحي بشكل خاص لأبناء سوريا. فعلى سبيل المثال صعوبة تأمين الأجهزة الطبية لصالح المشافي العامة والخاصة، ناهيك عن عدم توفر العقاقير وخاصة السرطانية بعد ارتفاع نسبة المصابين".
واضاف نصير: "أما التحدي الرابع، فهو إعادة بناء الانسان السوري ومعالجته من مضاعفات الحرب والعنف وكيفية مساهمة التربية والتعليم من خلال مؤسساتها المتنوعة، في إزالة هذه المخلفات من وسط المجتمع وبث حالة الرجاء والامل بين الناس".
وأشار نصير الى أن "اعادة اعمار مدينة حلب وإطلاق العجلة الإنتاجية في إطار التكاليف الباهظة بعد فقدان الليرة السورية لقوتها الشرائية بسبب الحرب التي استهدفت الوطن في سياسته واقتصاده واجتماعيته، أحد أبرز التحديات التي تواجه المدينة أيضا، على أن يترافق ذلك مع تضافر الجهود الحكومية واللاحكومية في رفع مستوى الدخل لدى الفرد ليتناسب مع التكاليف الباهظة للحياة في سوريا".
المسيحيون العائدون
وعن عودة أبناء حلب اليها، قال نصير: "أستطيع القول أن نسبة لا يستهان بها من أبنائها عادوا إليها، وهناك دلائل كثيرة منها الازدحام المروري مثلا، ازدحام عدد المراجعين للمؤسسات الحكومية، وارتفاع عدد الطلاب في المدارس". وأضاف: "اما بالنسبة للنازحين، وبما أن حلب هي عاصمة سوريا الصناعية الاقتصادية فستجد عددا لا يستهان به من النازحين الذين يبحثون عن فرص عمل"، لافتا الى أن "واقع الاحتلال التركي في شمال حلب كان سببا أساسيا لنزوح كبير من تلك المناطق. كذلك ينطبق نفس الواقع على ادلب وريفها، بل حتى يمكن أن تقابل أشخاص من الشمال الشرقي لسوريا في حلب الذين فروا من ممارسات "الاسايش" الكردية.
ووصف نصير نسبة العائدين من أبناء حلب المسيحيين بالـ"خجولة جدا بالرغم من الجهود الجبارة والتكاليف الكبيرة التي تكرسها الكنائس لتعيدهم الى حلب". وقال: "بالنسبة للمسيحيين النازحين داخل سوريا معظمهم عاد أما لمن غادر الى الخارج فالنسب هي بسيطة. ولكن في كل الأحوال، فان تحسن الواقع السياسي والمعيشي سيشكلان عاملين مهمين في إعادة استقطاب السوريين المسيحيين الى سوريا وحلب". وأضاف: "من المهم أن نذكر أيضا بأننا نستقبل سوريين مسيحيين يزورون حلب ليطلعوا على الواقع اليومي ليقرروا عودتهم ام لا".
أخطر أداة في الحرب...
وردا على سؤال عن الاتفاق الروسي–التركي الاخير بخصوص ادلب، أشار نصير الى أن "أبناء مدينة حلب يثقون في قيادتهم السياسية وهي أدرى بتفاصيل الاتفاق ويقفون داعمين لكل قرار ترتأيه في إطار مصلحة سوريا". وقال: "لكن ذلك لا يمنع من تسليط الضوء على عدم وفاء الأتراك بتعهداتهم وخاصة أنهم أخطر أداة استخدمت في الحرب على سوريا، مع عدم نسيان اطماعهم في نهب ثروات البلاد". وأضاف: "إن الحل السلمي الذي يجنّب سفك دماء أبرياء يبقى هو الخيار المميز، وذلك بسبب مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها وهذا ما لا يؤخذ بعين الاعتبار لدى الإرهابيين". وختم قائلا: "التسوية التي توصل اليها الروس والاتراك هي محدودة الزمن وبالتالي ستكشف الأيام نوايا الأتراك والتزامهم بتعهداتهم، وبالتالي الحل العسكري لم يتم إلغاؤه، فتصاريح الحكومة السوريّة تؤكد دائما استمرارها في تحرير كامل الجغرافيا السوريّة، باعتبارها الضامن الحقيقي لدى الشعب السوري بشكل عام وأبناء حلب بشكل خاص".