يوماً بعد يوم يتأكد أن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة ليس متاحاً في المدى المنظور، إلا إذا حصلت تطورات مفاجئة غير منتظرة أطلقت العنان لمسار التأليف وحلحلة العقد المحلية المعروفة، ما عدا ذلك كل المعطيات تؤشر إلى أن الأمور لا تشي بانفراج قريب، وقد جاء كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ليؤكد ذلك ويرسم صورة تشاؤمية بشأن تشكيل الحكومة، حيث قال.
إنه «رغم حديث الجميع عن خطورة الوضع الاقتصادي والنفايات وتلوث الليطاني وضرورة تشكيل الحكومة، لكن التعطيل هو الذي يحكم الموقف». وأضاف: «بحسب معطياتي، هناك غباشة، فلا شيء سيظهر، لا في القريب ولا في البعيد بشأن تشكيل الحكومة. ونطالب بالحفاظ على جو الحوار، ومهما كانت الظروف، فالحكومة ستتشكل، ولا أحد يمكنه إلغاء أحد، وندعو إلى الاستفادة من الوقت».
ووصف الوضع المحلي بـ«المتشنج سياسياً واجتماعياً»، مجدداً الدعوة إلى «الهدوء ومعالجة أي مسألة بالحوار والحكمة»، مؤكداً «التزام حزب الله كل ما أعلنه في برنامج كتلته الانتخابي». وأيّد نصرالله دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى عقد جلسات التشريع التي ستحصل الأسبوع المقبل.
هذا الكلام للسيد نصرالله يوضح بشكل جلي بأن الصورة في لبنان قاتمة وأن الأزمة مقيمة وليس هناك في الأفق ملامح انفراج..وأقصى ما هو مرتجى أن يتم الحفاظ على أجواء الحوار لتقطيع هذه المرحلة.. لكن من يضمن أن يستمر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في ظل غياب حكومة قادرة أقله على وضع حد لحالة التراجع المستمرة على المستويات كافة..لأن الرهان على التغيير في السياسات القائمة المسببة لكل الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والخدماتية في ظل النظام الطائفي واستمرار الطبقة السياسية النيولبرالية في السلطة تتحكم بمفاصل القرار الاقتصادي والمالي إنما هو رهان عقيم.. فلا يمكن أن يأتي الحل لهذه الأزمات على أيدي الطبقة التي تسببت بها، تماما كما أنه لا يمكن محاربة الفساد من قبل من وفر الأجواء لانتشار الفساد وتمادي الفاسدين في فسادهم، والذي ساعدهم فيه تهميش دور أجهزة المحاسبة والرقابة، وإطلاق العنان لإنجاز عقود تلزيمات المشاريع بالتراضي التي وفرت البيئة الملائمة لعقد الصفقات وتضخيم العقود وبالتالي العمولات على حساب المال العام..
من الواضح أن تراجع أداء المؤسسات العامة واستفحال الفساد يعود في جزء كبير منه إلى تعطيل دور أجهزة الرقابة وفي نفس الوقت إلى الحماية التي يتمتع بها الفاسدون من قبل الزعامات الطائفية التي وظفتهم في الدولة في إطار المحاصة الطائفية التي ينص عليها النظام الطائفي اللبناني المسبب الأساسي لكل أزمات لبنان..
وإذا كانت الحكومة مؤجلة وموضوعة في الثلاجة والأزمات إلى تفاقم، والدين العام إلى ارتفاع والعجز في الميزانية العامة إلى تزايد فإن لا شيء يبشر بالخير بالنسبة للبنانيين الذين باتوا أكثر قلقا على مستقبلهم من أي مرحلة سابقة بسبب وصول الأزمات إلى مرحلة نوعية وتراجع كبير في قدرتهم الشرائية.. ومع ذلك هناك مشكلة كبيرة تسهم في بقاء الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، وهي ناتجة عن غياب الحراك الشعبي ضد الطبقة السياسية المسببة لكل هذه الأزمات التي باتت تشمل كل مناحي الحياة بما فيها الكهرباء والمياه والنفايات والتنقل في الطرقات..أي كل شيء.. فالشكوى العامة لا تكفي للضغط وإجبار الطبقة السياسية على التحرك لوضع خطة طوارئ لمعالجة الأزمات الضاغطة على حياة المواطنين.. فالمطلوب أن ينتقل اللبنانيون من الحالة السلبية التي هم فيها إلى الحالة الإيجابية، أي أن يتحدوا وينتظموا في حراك شعبي عابر للطوائف ويمارسوا الضغط القوي في الشارع، الذي وحده القادر على إشعار السلطة السياسية بالخطر على وجودها ومصالحها إن هي لم تسارع إلى اتخاذ الخطوات العملية العاجلة لحل المشكلات الأساسية التي يعاني منها غالبية الشعب اللبناني..