حدثان بالغا الخطورة استهدفا روسيا وإيران في أسبوع واحد، الأول استهدف روسيا في الأجواء السورية، حيث تسبب اعتداء «إسرائيل» عل مواقع سورية بإسقاط طائرة ايل.20 الروسية وعلى متنها 15 ضابطاً وخبيراً روسياً لم ينجُ منهم أحد. والثاني تمثل بالعمل الإرهابي الفظيع الذي استهدف العرض العسكري للقوات المسلحة الإيرانية في الأهواز والذي أدى الى قتل 25 عسكرياً في وضح النهار. حدثان يضعان حلفاء سورية أمام تحدٍّ كبير تتوقف على ردة الفعل عليه مسائل كبرى تتصل بجوهر الصراع في المنطقة والعالم ربطاً بما تحقق في الميدان السوري وفشل العدوان على سورية.
ولا بدّ من التنويه بداية بأن هذين الأمرين هما من طبيعة لم يسبق حصول ما يشبههما ان لم نقل ما يوازيهما من حيث الحجم والخطورة، وحصلا في فترة واحدة عنوانها النجاح في معالجة الوضع السوري بما يؤكد هزيمة العدوان. وهذا ما يجعلهما وكل في مساره فاتحة أحداث أخرى مماثلة وقد تكون بحجم ابلغ ان لم يكن هناك ردّ رادع مؤلم ضد الجهات الي تسببت أو ساهمت بوقوعهما.
ونبدأ بالطائرة الروسية التي توصّل الجيش الروسي وبقناعة كلية مبنية على قواعد تقنية وعلمية وميدانية دقيقة الى القول بأن المسؤول عن إسقاطها هي «إسرائيل» التي تتحمل المسؤولية كاملة 100 ، قناعة نهائية غير قابلة للمراجعة او للتأويل والتحليل الإضافي الذي يخفف من أثرها. والسبب في ذلك كما تراه روسيا وفقاً لقناعتها الموضوعية النهائية المؤكدة المبنية على ما يلي:
إن «إسرائيل» قامت بعدوان جوي على منطقة تعلم هي أنها محل لممرات جوية للطيران الروسي العسكري والمدني. وتعلم ان في أجوائها طائرة روسية ولم تبلغ القيادة العملانية الروسية بالعدوان في مدة كافية لتتخذ التدابير اللازمة لحماية طائراتها. وكان عليها ان تفعل حسب الاتفاق الامني للتنسيق القائم منذ العام 2015 والذي التزمت به روسيا بدقة واستفادت منه «إسرائيل» لأقصى حد على حساب المصالح العسكرية والميدانية لمحور المقاومة.
إن الطائرة الحربية الإسرائيلية اتخذت من طائرة الايل 20 الروسية حجاباً او درعاً للتقرب والاحتماء وخلقت ظرفاً أكيداً لإسقاطها بصاروخ سوري لا يحمل جهاز التمييز بين الصديق والعدو الخاص بالأسلحة الروسية، وبالتالي إن مناورة الطائرة الإسرائيلية كانت السبب الرئيسي المنتج لإسقاط الطائرة الروسية.
إن الطيران الإسرائيلي لم يعبأ بالجريمة التي تسبب بها واستمر يحلق في الأجواء لمدة 33 دقيقة من دون المبادرة لإبلاغ روسيا بالكارثة او الانسحاب من الأجواء لفتح المجال امام محاولة القيام بعمليات الإنقاذ الواجبة في هذه الأحوال. وهذا يشكل استخفافاً فظيعاً بأرواح العسكريين الروس.
على ضوء ما تقدّم تجد القيادة الروسية نفسها قد وضعت في موضع صعب ومؤلم لا ينحصر فقط بخسارتها الفادحة لـ 15 ضابطاً من كبار الخبراء والقادة العسكريين، بل يتوسع لينتهك اتفاقات قائمة بين الجانبين الروسي والإسرائيلي نالت «إسرائيل» منها الكثير من المكاسب الميدانية والاستراتيجية في سورية بتسهيل من روسيا ويظهر أن «إسرائيل» لا تعبأ بالمصالح الروسية حتى ولو كانت متصلة بحياة عسكرييها. وهنا التحدي الكبير الذي تواجهه روسيا الآن في علاقتها مع «إسرائيل». التحدّي الذي يلزم روسيا بعمل ما يحفظ ماء وجهها أولاً ويؤسس لمستقبل لا تتكرر فيه الخسارة تلك او أي خسارة تشبهها وتتسبب بها «إسرائيل».
فما هي التصرفات التي يمكن ان تلجأ اليها روسيا وتشكل في الآن ذاته حماية لجنودها وعقابا لـ«إسرائيل» على جريمتها؟
في البدء لا بدّ من أن نتذكر بأن لـ«إسرائيل» في روسيا قوى ضغط لا يمكن تجاوزها او إغفال أثرها، لكن هذه القوى لن تكون هذه المرة قادرة في مثل الحالة القائمة على منع ردة الفعل الروسية، كما يروّج البعض ويقول «طوي ملف الطائرة، والوقت يداوي الجروح»، لأن القبول بهذا القول من شأنه ان يعرض روسيا لأفدح الخسائر المعنوية التي تراكم الخسائر المباشرة الناتجة عن سقوط الطائرة. وبالتالي نرى ان روسيا ملزمة برد ما يثبت هيبتها وإرادتها لتعزيز مكانتها الردعية من دون ان تصل في ردها الى الاضرار بمسيرة استعادة موقعها الخاص في الصف الأول دولياً. وهوالموقع الذي خسرته منذ 3 عقود وتعمل بجدارة على استعادته منذ بدء العدوان على سورية. وهي تعتقد ان الصداقة مع «إسرائيل» تساعدها في مسعاها هذا، ولذلك ارتبطت معها بأكثر من علاقة وتفاهم حول سورية وغيرها. وبالتالي نعتقد انها ستوازن في الردّ بين التدبير العملاني الحمائي والتصرف السياسي الذي يحفظ علاقة «الصداقة « مع «إسرائيل» بشكل أو بآخر.
وهنا نتصور ان يأتي الردّ شاملاً ما يلي:
انشاء منطقة حظر جوي روسي فوق المواقع العسكرية والأماكن التي يوجد او يتحرّك فيها الجنود الروس في سورية. وهذا سيقود الى إغلاق كامل للمنطقة الساحلية السورية بوجه الطيران الإسرائيلي.
التراخي في تطبيق تفاهمات التنسيق العملاني القائم حالياً مع «إسرائيل» دون الوصول الى الغائها كلياً. وهذا سيؤدي الى اعادة النظر بالمواقف الروسية من حركة حلفاء سورية على الأرض السورية.
الدرس الجدّي لتعزيز قدرات الدفاع الجوي السورية عبر تطوير المنظومة الحالية وتزويد سورية بشبكة رادارات حديثة للرصد والتعقب والإفراج عن منظومة الـ س 300 ، كما وعد لافروف سابقاً.
تزويد منظومة الدفاع الجوي السوري بقدرات تمييز الصديق من العدو التي تستعملها روسيا لحماية الطائرات الروسية فوق سورية.
نعتبر هذه التدابير هي الحد الأدنى الذي ينبغي القيام به من الجانب الروسي لحماية وحداته وجنوده وقطع الطريق على غدر او جحود «إسرائيل» ولتعزيز الهيبة الروسية عالمياً من دون الوصول الى قطيعة مع «إسرائيل» لا ترغب بها روسيا، أو لا تراها الآن في مصلحتها او في خدمة استراتيجيتها العامة.
اما عن إيران، فإن العمل الإرهابي الذي استهدفها في الأهواز فهو من حجم وطبيعة لا يمسّ أمن جنودها فحسب، بل له آثار ومفاعيل استراتيجية تمسّ وحدة إيران أرضاً وشعباً ويتصل مباشرة بأهداف الحركات الانفصالية التي تغذيها دول الخليج إقليمياً ودول الغرب بقيادة أميركا دولياً، ثم انه يأتي في ظرف بالغ الخطورة على الصعيد الإيراني ويقع على مقربة من الموعد الذي حددته اميركا لفرض حصار مؤلم متعدّد الوجوه على إيران تحت عنوان ما تسمّيه أميركا العقوبات ضد إيران.
لذلك نرى ان بقاء من ارتكب الجريمة الفظيعة، بمنأى عن العقاب المؤلم، سيجعله يتمادى في الفعل والتكرار وتوسيع دائرة أفعاله المماثلة، ولذلك ينبغي أن يكون الرد مؤلماً وموجهاً ضد الجهة الميدانية المنفذة. وهي تقيم في قواعد شبه معروفة في المنطقة وقريباً من الحدود الإيرانية، وضد الجهة الإقليمية والدولية المخططة والموجّهة والممولة. ويجب ان يأتي الرد ليحمل رسالة قاطعة بأن إيران ليست ضعيفة، ودون ان يتسبب بانزلاق الأمور الى مواجهة واسعة مع تلك القوى. وهنا نؤكد على وجوب اعتماد الرد المدروس الذي ترى إيران كيف ينتج الألم الشديد لتلك القوى. وهنا نرى أن يكون الرد مركباً من عمل أمني وعسكري ميداني وسياسي عام ومؤازراً بصوت عالٍ وحازم ينبئ الجميع بأن لا سكوت على اعتداء.