يضع البشر عيونهم على الفضاء بعد ان ضاقت بهم الكرة الارضية، وبدأت التكنولوجيا تشقّ طريقها الى عقولهم وحياتهم اليومية. وسياسة اكتشاف الفضاء بدأت بإرسال مركبة فضائية الى القمر، وتسارعت بعدها الامور لتصل الى حدود كسب معركة الاقمار الصناعية، ودعوة الاميركيين الى التحضير لـ"حرب النجوم" على عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان...
اما اليوم، وبعد كل التطور السريع الذي شقّ طريقه الينا، بات الحديث يدور حول انشاء "قوة فضائية"، وهي فكرة اميركية ايضاً يتنازع على ملكيتها الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب ومسؤولين في البيت الابيض, وبغض النظر عن صاحب هذه الفكرة، يبدو انها تشقّ طريقها نحو "القوننة"، وسيكون للجيش الاميركي سلاح خاص على غرار الاسلحة العسكرية الاخرى كسلاح الجو، وسلاح المشاة...
الفكرة التي لقيت بداية معارضة سلاح الجو كونها ستحدّ من صلاحياته في مجال الفضاء، حصلت على دفع معنوي جديد من خلال كلام ترامب، ولكن هذا يعني فعلياً انطلاق سباق انشاء هذا القسم في جيوش العالم المتحضر والمقتدر، وبالتحديد الجيوش التابعة للدول الكبرى. كل من هذه الدول قادر على تمويل هذه الفكرة، وهذا يعني ان المواجهات لن تقتصر على الارض، بل ستنتقل الى الفضاء الواسع، وسرعان ما ستستحوذ فكرة السيطرة عليه على عقول قادة الجيوش في الدول العالميّة القويّة. وبعد ان كنا نقلق من امكان تعرض الارض لغزو فضائي، بات على الفضاء ان يقلق من غزو ارضي له!.
الخطوة الاميركية، فيما لو تحقّقت بالفعل، ستؤدي الى اللحاق بها سريعاً من قبل الصين وروسيا، قبل ان تستيقظ القارة الاوروبيّة من رقادها وتعمل على التعويض عن الوقت الضائع والانضمام الى سباق السيطرة على الفضاء. لن يقبل احد بالتفوق الاميركي في هذا المجال، تماماً كما حصل في مسألة استكشاف الفضاء حيث انهالت المركبات الفضائية على القمر والمريخ، فيما ادى انتشار الاقمار الصناعية، الى "فوضى" تنظيميّة لهذه المسألة لأنّ لمعظم الدول اقمارها الخاصة لاغراض متعددة: عسكرية وتجسسيّة وبيئية ومناخيّة...
سلاح الفضاء سيكون مكلفاً، ولكنه قد يجدي نفعاً اذا ما سيطر خطر انتهاء الحياة على الارض لسبب او لآخر، ومع التفكير بإقامة مستعمرات لسكان الارض على كواكب اخرى تؤمّن الحياة لهم، تأخذ الامور منحى آخر يجب التحضّر له. ومن سيفوز في حرب السيطرة على الفضاء، سيدخل افقاً جديداً من انتشار نفوذه والتحكم بما يريده من البشر.
اللافت في الموضوع، انه واستناداً الى التجارب السابقة، سيكون العالم على موعد مع مواجهة جديدة انما في الفضاء، وهو ما يتطلب شروطاً خاصة للمواجهة ان لجهة نوعيّة السلاح الذي سيستعمل او لجهة الاتصالات، او انشاء المراكز للتحكم بما سيتم نشره. قد يكون من المبكر الحديث عن هذه المسائل، لان الوصول اليها يتطلب سنوات من الزمن، ولكن كل المؤشرات تدل على انه سيحصل آجلاً، ويجب التحضير له منذ اليوم. ولكن، من سيحدد القوانين والتشريعات في "الحياة الفضائية" وكم يحتاج الامر حتى تتحول الفكرة الى واقع ملموس؟.
التحكم بمصير الارض مرتبط بعدد محدد من الدول، وانتقالها الى التحكم بحياة الارضيين في الفضاء، سيكون اكثر صعوبة ولكنه ليس بالمهمة المستحيلة، فهل يجب علينا ان نقلق منذ الآن؟ ومن سيلعب دور "شرطي الفضاء"؟ وهل سيكون ذلك سبباً اضافياً للمماحكات واندلاع مشاكل في اكثر من بلد، ام ان الامر لن يعدو كونه محاولة جديدة للتجسّس المعمّق، واستخدام افضليّة الاسلحة الحربيّة من اجل "تطويع" الآخرين؟ الوقت كفيل بتوضيح الامور، وربما هذه المرّة الوحيدة التي لا يضغط فيها هذا العامل علينا، لان المسألة تحتاج الى اقرارها اولاً وبعدها الى سنوات طويلة للوصول الى النتيجة المتوخاة.