فيما تنتظر إيران الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية (*) عليها في شهر تشرين الثاني المقبل، توجّه الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بحثاً عن حلول تحول دون فرض هذه الرزمة الجديدة من العقوبات، ولتوضيح النظرة الإيرانية لأحداث المنطقة أمام المجتمع الدولي.
في الشكل، يمكن اعتبار الأيام الأولى من جولة روحاني ناجحة، اذا ما أخذنا بعين الاعتبار اللقاءات التي عقدها مع رؤساء الدول الأوروبية وما نتج عنها، حيث تُوجت هذه اللقاءات في فتح أفق جديد للتعاون بين إيران وفرنسا في القطاعات المصرفيّة والاقتصاديّة والتجاريّة، إضافة للتعاون نفسه مع بريطانيا. وهذه المحادثات أظهرت رغبة أوروبية في التقرّب من طهران، مع تخوّفات من عواقب العقوبات الأميركية.
نتائج جولة روحاني ظهرت سريعا في اوروبا التي ستسعى عبر اتحادها لإنشاء كيان قانوني بهدف مواصلة التجارة مع إيران، لا سيما شراء نفطها، وبالتالي الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على طهران.
أمّا على صعيد العلاقات مع أميركا واحتمال لقاء روحاني مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، بدا واضحاً تردّد الجانبين وعدم جهوزيتهما لهكذا لقاء. إلا أن اللافت كان تودّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من روحاني، خصوصاً بعد وصفه بـ"الشخص الودود". هذا الغزل الأميركي لم يقابَل بالمثل من الجانب الإيراني، بل ظل الحذر سيّد الموقف من جانب روحاني، مطالباً ترامب بـ"الصدق والجدية لا الكلام فقط"، وبالتالي فإن الواضح أن الرغبة في اللقاء وحلّ الأزمات بين البلدين واردة عند الجانبين ولا أحد يرغب بالتصعيد، لكن الجميع ينتظر الخطوة الأولى.
إعلامياً، كان بارزاً توجه معظم الإعلام الأميركي للقاء روحاني، الذي استغلّ هذه اللقاءات لمخاطبة المجتمع الدولي بشكل عام والشعب الأميركي لتوضيح وجهة نظر بلاده من الإرهاب، والتأكيد على أن العقوبات الأميركية لن تكون الحل للوصول إلى السلام في الشرق الأوسط كما يدّعي ترامب، إضافة للتأكيد على أن لا لقاء منتظرا مع الرئيس الأميركي في الوقت الحالي.
هذا التصعيد السياسي الذي شهدته الأشهر الماضية بين إيران وأميركا، يعيد إلى الأذهان حجم التصعيد الذي حصل بين كوريا الشمالية وأميركا قبل الوصول إلى اتفاق بينهما. فهل يمكن إسقاط هذا النموذج على الحالة الإيرانية؟ يبدو من خلال التصريحات الإيرانية والأميركية أن تشبيه الحالتين خاطئ، نظراً لأسباب الصراعات، ولدور كل من إيران وكوريا الشمالية في المنطقة. وهذا ما أكده الرئيس الإيراني في مقابلاته في نيويورك.
على صعيد آخر، كان الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له إيران في محافظة الأهواز نقطة انطلاق لروحاني للحديث عن الإرهاب في الأمم المتحدة، لدحض كل الاتهامات الاميركية لطهران بأنها الداعم الأول للارهاب، ولإظهار إيران في صورة المكافح له. حاول روحاني خلال كلامه، إبعاد التهم الموجهة ضد بلاده بما يتعلّق بالتدخل في الشؤون السورية، مكرّراً تأكيده بأن هذا الامر جاء بناء على طلب الحكومة السورية، إضافة للتذكير بالمؤتمرات التي عقدتها طهران للبحث عن الحلول السياسية للأزمة السورية، محاولاً خلع الرداء العسكري للوجود الإيراني في سوريا وارتداء الزي الدبلوماسي الباحث عن الحلول، والتي توّجت أخيراً في إدلب. كما كان بارزاً تقديم روحاني لبلاده كأفضل صديق للمجتمع الدولي في عملية السلام في الشرق الأوسط.
على الصعيد الداخلي الإيراني، كان لافتاً الحملة التي أطلقها ناشطون إيرانيون لتأكيد وحدتهم في مواجهة العقوبات الأميركية، إذ أطلقوا وسم "نحن ندعم إيران" (westand4iran) والسلام هو سلاحنا (la paix est notre arsenal). وهذه الحملات الشعبية الايرانية تُفشل الاهداف الرئيسية للحرب الاقتصادية الاميركية لأن من أبرز فصل المجتمع عن الدولة.
في انتظار موعد العقوبات الأميركية الجديدة، ستبقى الأنظار متوجهة على الخطوات الدبلوماسية التي ستقوم بها إيران ممثلة بروحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، لنيل ودّ المجتمع الأوروبي ولزيادة الضغط على الإدارة الأميركية التي ستواجه في السادس من شهر تشرين الثاني الانتخابات النصفيّة، والتي قد تكون نقطة تحول في سير الأحداث في المنطقة.