يتخطى موقف فصائل المعارضة السوريّة في ادلب حالة الاستياء والامتعاض من التنازلات التي قدمتها أنقرة لموسكو باطار ما عُرف بـ"اتفاق سوتشي"، حتى يوشك أن يُقارب التمرّد. فبعد أكثر من أسبوعين على توقيع الاتفاق، وأيام على الاجتماع الذي عُقد بين قادة الفصائل والمخابرات التركية، والذي تم خلاله اطلاعهم على تفاصيل التفاهم الروسي-التركي والبنود الواجب تنفيذها، لا تزال الحال على أرض الواقع على ما هي عليه في ظل رفض مجموعات المعارضة سحب السلاح الثقيل مما عُرف بالمنطقة "المنزوعة السلاح" رغم اعلانها بوقت سابق موافقتها على الأمر، وذلك بعدما تبين أن عمليّة السحب ستقتصر عليها ولن تطال قوات النظام السوري التي ستبقى وسلاحها في مواقعها الحالية.
وفهمت الفصائل سابقا أن الاتفاق ينص على أن تسحب السلاح الثقيل الى مسافة تبعد نحو 7 كلم ونصف على أن يقوم النظام بالمثل، فيتم بذلك تشكيل المنطقة المنزوعة السلاح بعمق 15 كيلومتراً على خطوط التماس عند أطراف إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة، وتحديداً ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي. الا أن ما أبلغه المسؤولون الأتراك مؤخرا لحلفائهم السوريين ترك خيبة كبيرة في صفوفهم، بعدما تبين أن سحب السلاح الثقيل سيقتصر عليهم لتشكيل المنطقة المذكورة. وحتى الساعة لم تستجب الفصائل للطلب التركي رغم دوران معظمها في فلك أنقرة، وهي تعوّل على تعديلات تضغط تركيا لادخالها على الاتفاق، الذي وبحسب مصدر عسكري قيادي في المعارضة، أظهرت تفاصيله أنه أتى على حساب الفصائل ولمصلحة النظام. وأشار المصدر الى انه وفي حال الرضوخ للطلب التركي الانسحاب ما بين 15 و 20 كلم فذلك سيعني "خسارة ثلث المناطق الخاضعة لسيطرتنا، وهو أمر لا يمكن أن نقبل به، وان كانت عمليا المنطقة المعزولة قائمة حتى قبل الاتفاق، باعتبار اننا أصلا لا نضع سلاحنا الثقيل على نقاط الربط بل في مسافات بعيدة كي نمنع استهدافه بشكل مباشر من قبل قوات النظام المتاخمة لقواتنا".
وتعوّل الفصائل على قمّة تعقد هذا الشهر بين قادة فرنسا والمانيا وتركيا وروسيا لادخال تعديلات على الاتفاق الذي وقّعته أنقرة وموسكو بخصوص ادلب، لذلك يُرجح أن تحاول المعارضة شراء الوقت حتى انعقاد القمّة، لتنتقل بعدها الى خطوات عملية على الأرض، خاصة وأن الاتفاق لحظ العاشر من الشهر الجاري موعدا لتسليم الفصائل الموجودة في المنطقة المنزوعة السلاح كافة سلاحها الثقيل، على أن ينسحب "الجهاديون" منها بحلول 15 تشرين الأول الجاري.
وبالرغم من أن "هيئة تحرير الشام" التي تشكل "جبهة النصرة" عمودها الفقري لم تصدر أي موقف رسمي بخصوص "اتفاق سوتشي" وما اذا كانت ستقبل بتنفيذ بنوده، أشار المصدر المعارض الى أن الهيئة أوعزت لمشايخ مقربين منها التهجّم على الاتفاق في خطب الجمعة وتصويره كأنه أتى على حساب المعارضة، لافتا الى انه وفي حال رفضت قيادة "النصرة" الانسحاب من المنطقة المحدّدة، وبالتالي أصرت على عدم التجاوب مع الاتفاق الروسي-التركي، فعندها سيكون على أنقرة التعامل معها. وقالت المصادر: "القرار متخذ وسيتم عندها فرط عقدة الهيئة من قبل تركيا خلال اسبوع، سواء باللجوء الى الخيار العسكري أو الأمني".
بالمحصّلة، ترى الفصائل "شيطانا" في تفاصيل "اتفاق سوتشي"، الا أن خياراتها تبدو محدودة جدا، باعتبار أنها إما تتمرد أو تتعايش مع هذا الشيطان نزولا عند رغبة راعيها الاقليمي الوحيد، بعدما خسرت كل رعاتها على مرّ السنوات الماضية. فهل تختار التمرد فالعزلة التي ستؤدي عمليا لاستسلامها أو خسارتها عاجلا أم آجلا، أم تجاري الأتراك بلعبتهم التي تبدو هي الأخرى خاسرة وان كان على المدى البعيد؟.