عندما يتحدث رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو عن مواقع مزعومة لصواريخ حزب الله قرب مطار بيروت الدولي، ويثير المسألة امام الجمعية العامة للامم المتحدة، فهذا يعني بحسب مصادر سياسية محاولته خلق ذرائع لاستهداف لبنان من جهة، وتبرير أي اعتداء أمام الرأي العام الدولي من جهة ثانية، اضافة الى تحميله لبنان مسؤولية صواريخ "وهمية وغير موجودة"، ولذلك كان التحرك الرسمي ضروريا.
أخذت وزارة الخارجية والمغتربين عبر الوزير جبران باسيل المبادرة للرد على التهويل الاسرائيلي. وجّهت الدعوات للسفراء والدبلوماسيين لزيارة قصر بسترس والاستماع لموقف لبنان الرسمي في القضية، والذهاب في جولة تفقدية للمواقع الثلاث التي تحدث عنها نتانياهو، من أجل تبيان الخيط الأبيض من الأسود أمام الرأي العام المحلي والعالمي. 73 دبلوماسيا حضروا اللقاء في الخارجية، أبرزهم السفير الفرنسي برونو فوشيه، البريطاني كريس رامبلنغ، الروسي ألكسندر زاسبكين، الصيني جيانغ زنغ وي، والقائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري، القائم بأعمال السفارة الإيرانية أحمد حسين، وممثل عن السفارة السورية، اضافة الى سفراء وممثلين عن سفراء أكثر من دولة عربية وغربية، ولكن ليس كل هؤلاء حضروا الجولة الى المواقع المعنية، فالبخاري لم يحضر وكذلك فعل غيره من سفراء الدول الكبرى.
المحطة الاولى كانت "ملعب الغولف"، التابع جغرافيا لبلدية الغبيري، ومن ثم توجهت الوفود الدبلوماسية والسياسية والاعلامية برفقة أمنية من وزارة الدفاع، الى الموقع الثاني وهو "ملعب العهد"، حيث كان تمرين الفريق في نهايته. يتهم نتانياهو حزب الله بإقامة مخزن للصواريخ البعيدة المدى في ذلك المكان، مع العلم أن الملعب أنشىء بتمويل من "الفيفا" وبواسطة شركة إيطالية اسمها "موندو" ومقرها في الأردن، ويتبع للاتحاد اللبناني لكرة القدم، أي أنه ليس لحزب الله أو البلديات القريبة منه أي علاقة ببناء هذا الصرح. بعد ملعب العهد انتهت الجولة في الموقع الثالث. بحسب سكان الحي في الأوزاعي الموقع عبارة عن معمل قديم للمحارم والكرتون، اليوم أصبح يُعرف ببورة "المولى". هناك أصر أحد الاعلاميين من صحيفة "الدايلي ستار" على الدخول لمكان مغلق ببوابة سوداء كبيرة، أراد أن يتأكد أن ليس في المكان صواريخ مخبأة. لم يجد شيئا ولكنه شكر الوزير باسيل على السماح له بالدخول والتفتيش.
في هذا السياق اكد القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت أحمد حسين أن مشاركته جاءت بعد دعوة تلقتها السفارة من وزارة الخارجية، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن ما تقوم به الخارجية امر ممتاز، وعلى الاعلام اللبناني نقل حقيقة الصورة للخارج. وأضاف: "اسرائيل بلد كاذب وليس جديدا على نتانياهو ان يكذب، وعلينا أن نتعاطى بمسؤولية وضمن حسابات دقيقة مع أي امر يصدر عن العدو".
بدوره رأى السفير الروسي أن الحقيقة تظهر من خلال جولات اعلامية كهذه، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن لا داعي لكثير من الكلام طالما الصورة تُنقل مباشرة على الهواء للمواقع التي قال نتانياهو أنها تحتوي على صواريخ لحزب الله أو معامل لتركيب صواريخ للحزب. لأن مطار بيروت هو المستهدف كان لا بد من التحرك، تؤكد مصادر الخارجية، مشيرة الى أن الجولة الحالية لن تتكرر كلما رمى رئيس الوزراء الاسرائيلي كذبة مماثلة. وتضيف: "حساسية الموقف والتوقيت والمكان حتموا التحرك، فالقضية تتعلق برأي عام عالمي يتأثر بما يُقال ولو كان كذبا". اما عن سبب عدم وجود سفراء لدول "تعادي" حزب الله وتتهمه بالارهاب، تقول المصادر: "دعونا ننظر للأمور من الناحية الإيجابية فنحن لدينا سفراء أربع دول كبرى شاركوا باللقاء في الوزارة، ونظن أن الهدف ليس حضور فلان او فلان بقدر ما هو كشف زيف الادعاءات الاسرائيلية أمام الرأي العام العالمي وهذا ما تحقق بالجولة".
بالنسبة لحزب الله، رأت مصادره أنه "ليس معنيا بالرد على ما يقوله رئيس وزراء العدو"، واضعة ما يجري بإطار الحرب الاعلامية النفسية التي لطالما تحاول اسرائيل لعبها، لتغيير مزاج المجتمع اللبناني الذي لن يتأثر بها. وتابعت المصادر عبر "النشرة": "نحن لا نتدخل بعمل وزارة الخارجية، ونحن لا نملك أمكنة مقفلة على الدولة، وسمعنا كلاما واضحا من باسيل بأن هذه الجولة هي لمرة واحدة فقط لأننا لن ندخل لعبة العدو في الحرب النفسية ومحاولة جرّنا للحصول على معلومات، ونعتقد أن هذه المرة ستكون كافية ليُدرك السفراء كذب نتانياهو".
المصادر رأت ايضا أن ما حصل يشكل ضربة جديدة لمصداقية نتانياهو امام جمهوره قبل أن تكون امام الدول الاجنبية، اذ أن الجمهور الاسرائيلي الذي يصدق أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله ولا يصدق مسؤوليه، بات أكثر يقينا بأن نتانياهو كاذبا، لذلك لا يجب التفكير مرتين بالمرات المقبلة بأن ما يصدر عن القيادة الاسرائيلية هو كذب، مشددة على ان ما يعني الحزب هو تحذير اسرائيل من ارتكاب أي حماقة ضد لبنان، لأن أي اعتداء لن يمر مرور الكرام.