هي العروس الصبيّة الأنيقة منذ ولادتها. بريزرِن الجميلة لؤلؤة البلقان، يقصدها أهل المنطقة للتمتع بجوّها السياحي وللتبضّع من أسواقها. هي العنوان الذي يقصده الشباب فترة الخطوبة لشراء الذهب من سوقها الأثري الجميل، وهي ملتقى الصبايا اللواتي ترغبن بالزواج حيث تجِدنَ في محلاتها فساتين الزفاف وكل أجهزة العرائس ولوازم البيوت الأنيقة. يقصدها الزوار للتبضّع ليس فقط من المدن الكوسوفيّة، إنما من البلدان المجاورة مثل مقدونيا، ألبانيا ومونتينيغرو. كذلك تشتهر بالحرفيات المعدنية مثل الفضّة والنحاس والخشبيات التي تعرض التذكارات الشعبية، كما وتشتهر ببيع السجاد والمطرّزات والدانتيل والجلود والقهوة... باختصار هي جسر عبور للفن والأصالة عبر ما تعرضه من تُحفٍ نادرة بأسعار مدروسة.
يقول سكان هذه المدينة أنها من أكثر المناطق التي تعرضت للمآسي في الحرب، وقد أصابها الدمار والخراب مثل أي منطقة في كوسوفو، لكن بريزرِن قامت من تحت الرماد، ونفضت غبار الأيام السوداء وعادت جميلة لتستقبل ضيوفها، وهي تعتبر المدينة السياحية الأولى في كوسوفو.
تتميّز بريزرِن باحتضانها مجموعة كبيرة من المساجد والكنائس والجسور والحمامات التي تعود الى العهد العثماني، وقد ضمّت عبر التاريخ ثقافات وحضارات وديانات عدة، لذلك تنتشر فيها المتاحف بشكل كبير. بريزرِن التي تحافظ على الطابع المعماري العثماني، تعدّ المدينة العثمانية الحيّة المتبقية في اوروبا.
يسكنها ١٧٧ ألف مواطن، اختيرت عام ٢٠١٤ بين قائمة أجمل عشر مدن في العالم حيث احتلّت المرتبة التاسعة عالمياً .
تحتضن بريزرِن ٤٤ فندقاً وسلسلة مطاعم شعبيّة تنصحك بعدم مغادرة المدينة فبل تذوّق الأجبان المحلية التي تشتهر بصناعتها بشكل خاص وكوسوفو بشكل عام.
هي المكان المولود من رحم الحضارات، فيها عشرات الكنائس التّي تعود الى القرن الثاني عشر ومساجد تعود الى القرن السابع عشر، باختصار هي متحف بحد ذاتها. أهم مساجدها مسجد سَنان باشا ومسجد أمين باشا. هي مدينة تشبه الى حدّ كبير بيروت وجبيل اللتان يتعانق فيهما صوت جرس الكنيسة مع صوت مؤذن الجامع، ويعيشان جنباً الى جنب بسلام وهدوء.
أجمل ما في المدينة خزّان ذاكرتها. هو متحف الرابطة الألبانية. كان مبنى المتحف في السابق غرفاً للتدريس، ومن ثم استخدم كمركز إداري للرابطة. عام ١٩٦٨ تمّ نقله لأمتار عدّة بسبب بناء الطرقات. بعد حرب ١٩٩٩، جرى إعادة بناء المتحف ليصبح جاهزاً لإستقبال الزوار عام ٢٠٠٣. وهو يعرض مقتنيات ووثاق لأهالي المدينة تعود الى عام ١٨٧٨.
في اليوم الثالث من زيارة وفد الأمم المتحدة، كانت بريزرِن هي العنوان والمشوار الطويل الجميل. وكانت لنا زيارة خاصة الى مركز البلدية حيث استقبلنا رئيسها ميتاهِر هاشكوكا، الذي حدثنا عن أهمية هذه المدينة التاريخية وخاصة لناحية السياحة كونها مقصد السواح من كافة دول البلقان واووربا .
يقول هاشكوكا أن برِزرن تجمع حولها ٧٦ بلدة وقرية. وهي جارة ألبانيا، يفصل بينهما سلسلة من الجبال. تمتاز برِزرن في كوسوفو بأنها مدينة التعايش، حيث يعيش المسلم الى جانب المسيحي، ويمارس الجميع حياتهم الروحية بشكل طبيعي. تعتبر برِزرن مصيفاً لبعض السكان حيث يأتون لقضاء عطلة الصيف ونهاية الأسبوع. لكن المدينة لا تخلو من سكان كُثر يعيشون فيها ويعملون فيها على مدار السنة.
ويضيف رئيس البلدية: المدينة لا تعرف الحزن. فهي مركز لحفلات الأعراس من خلال صالاتها الفخمة الجاهزة لكل المناسبات. يقصدنا العرسان لشراء الذهب وأثاث المنازل ولوازم العرس في كل ايام السنة. ويأتي اليها الزوار من الدول المجاورة ومن البوسنة وتركيا وحتى من دول اوروبا الغربية.
تنظم برِزرن سنوياً مهرجان السينما في كوسوفو، ومعارض فنية من رسم ونحت وحرفيات. هي المدينة فسيفساء بثقافتها وحضاراتها. يتحدث فيها السكان أربع لغات رسمية، الألبانية، الصربية، الألمانية والرومانية. وتستعد المدينة لإحياء ذكرى مرور ١٤٠ سنة على إعلان أول حركة ثوريّة ضد العثمانيين لتوحيد ألبانيا في حزيران من السنة المقبلة، وسوف تكون هناك احتفالات شعبية ووطنية تحضّر لها المدينة منذ اليوم.
وعن برِزرن المدينة التاريخية، يؤكد رئيس البلدية ميتاهِر هاشكوكا، ان البلدية تعمل على ترميم حيٍّ كامل من عشرين منزلاً يعود الى القرن الثاني عشر، وذلك بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي، كما تتعاون البلدية مع السلطات الدينية في المنطقة لترميم عشرات الكنائس التي يعود تاريخها الى القرن الثاني والرابع عشر، لأنها إرث حضاري، لا يجوز إهمالها من ناحية، وتساعد في جذب السواح الذين يقصدون الحجّ من كافة الأديان من ناحية أخرى.
وختم رئيس البلدية هاشكوكا حديثه داعياً الألبان والصربيين الى رمي الماضي الأليم وراء ذاكرتهم، والتطلّع الى بناء دولة حديثة تمشي في قطار الدول الأوروبية الحضارية. وانتهى اللقاء بتقديم هدايا تذكارية من المدينة لوفد الأمم المتحدة، أبرزها لوحة صوريّة للمدينة تمثّل التعايش بين الأديان في المنطقة.