أن يدعو رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط الى دراسة معمقة وتدقيق موضوعي في العرض الاخير الذي قدمه رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، بعدما أجمعت القوى السياسية على اعتبار المؤتمر الصحافي الأخير لباسيل نسف لموجة التفاؤل التي أرساها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، لا يمكن أن يمر مرور الكرام. فرئيسا "الاشتراكي" و"الوطني الحر" اللذان كانا حتى الأمس القريب على عداوة سياسيّة لامست الى حد كبير الاحتكاك في الشارع، انتقلا بسرعة هائلة من الصراع الى هدنة يبدو أنها بدأت تميل الى اتفاق ينعكس حكوميا. اذ لم يقتصر الموضوع في الأسبوعين الماضين على وقف السجال بين الفريقين، بل تطور لحديث عن اتفاق غير معلن وشبه منجز يقضي بتبادل الحصص الوزارية من خلال اعطاء رئيس الجمهورية أحد الوزراء الدروز الـ3 مقابل حصول جنبلاط على وزير مسيحي من حصة الرئيس ميشال عون.
وبالرغم من اصرار مصادر قياديّة في الحزب "التقدمي الاشتراكي" على نفي تلقي أي عرض رسمي من هذا النوع والحديث عن حسم حلّ العقدة الدرزية عبر الطرح السابق ذكره، الا أن كل المعطيات توحي بأن الأمر بات شبه منجز، لكن رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ينتظر ايجاد مخرج للعقدة المسيحيّة كي يطرح عندها على الفرقاء تشكيلة نهائية، اما يسيرون بها أو يرفضونها. وتقول المصادر الاشتراكية: "الأمور لا تزال على حالها. نحن ابدينا مرونة واستعدادا لتسهيل عملية التأليف وأبلغنا الحريري والجهات المعنية بهذا الأمر، ولا نزال عند هذا الموقف، أما كيفية ترجمته وبلورته باطار اقتراحات محدّدة، خطوة لم نصل اليها بعد ولكن عندما تتبلور الأمور باتجاه معين، سنبدي وجهة نظرنا بشأنها بحينها".
واذا كان الملف الحكومي لا يزال عالقا في الساحة المسيحية نتيجة تفاقم الخلاف العوني–القواتي على الحصص وعلى ما هو أكبر وأبعد منها، فقد نجح باسيل مؤخرا برأب الصدع الى حدّ بعيد مع جنبلاط، خاصة بعدما وصلت الأمور بهما الى حد "الانتقام والتشفّي" من موظفين حزبيين في وزارات يتولاها وزراء محسوبون عليهما. وفي هذا الاطار قالت مصادر جنبلاط: "الاتصالات مستمرّة مع التيار الوطني الحر كما اللقاءات الفرعيّة، ولا نزال نحرص تماما للحفاظ على التهدئة التي نجحنا بارسائها مؤخرا على الصعد كافة".
وكما الاشتراكيون، كذلك العونيون. هم لا يزالون يتمسكون بالتهدئة على جبهة المختارة، ما أتاح لهم التفرغ في الايام الماضية لمعركتهم مع "القوات"، التي تشير كل المعطيات الى أنها شارفت على نهايتها. وفي هذا المجال تقول مصادر مطلعة: "وصلنا الى نهاية المطاف والى الربع ساعة الاخيرة التي تسبق عمليّة اعداد التشكيلة الحكومية النهائيّة، لذلك لن نستغرب أن نرى فريقي الصراع الاساسيين، التيّار والقوات، يرفعان سقفهما واصواتهما كثيرا لتحصيل ما أمكنهما تحصيله، لكن الأمور نضجت ومن المستبعد أن يستمر شد الحبال هذا بتعطيل البلد ككل".
بالمحصّلة، طالما تمكّن باسيل من تثبيت التهدئة مع جنبلاط والبناء عليها لرأب الصدع، لن يكون من المستبعد أن تنطلق قريبا تهدئة على الجبهة العونيّة–القواتيّة، يرجّح أن يليها بعد تشكيل الحكومة محاولات جديّة لاصلاح ما انكسر، لا سيّما وأن أكثر من وسيط يبدو مستعدا ومتحمّسا لاعادة الأمور الى ما كانت عليه بين الطرفين عشيّة توقيع اتفاق معراب.