يقف الإحتلال الإسرائيلي عاجزاً أمام ضربات الفلسطينيين، ولو بالطرق البدائية المتوافرة لتنفيذ عملياتهم، والتصدّي لهمجيته، وممارساته وقتله المتعمّد، واعتداءاته التعسّفية، تأكيداً على تمسّكهم بحقّهم المشروع، بمقاومة المحتل وتحرير الأرض منه.
ويبتكر الفلسطينيون وسائل تنفيذ عملياتهم البطولية، طعناً بما تيسّر من سكين أو آلة حادّة، أو دهساً، أو بسلاح بدائي، وأيضاً باتخاذ القرار بالتخطيط والتنفيذ في مكانه وزمانه وطريقته ووسيلته، حيث يتشارك في النضال الشبان والنساء والشيوخ والأطفال، بينهم كُثُرٌ لا ملفات أمنية سابقة لهم، بل ينفّذون عملياتهم بدافع وطني، لما يعانون منه، ويشاهدونه من إجرام إحتلالي، يُشارك فيه الجنود وغُلاة المستوطنين.
فقد عرّت عملية "بركان" الواقعة في المنطقة الصناعية، ضمن المستوطنات الإسرائيلية، بالقرب من سلفيت - جنوب نابلس بالضفة الغربية المحتلة، الأمن الإسرائيلي، وفشله في حماية مستوطنيه.
فمنفذ العملية الشاب أشرف وليد سليمان نعالوة (23 عاماً) من ضاحية شويكة - طول كرم - شمال الضفة الغربية، استطاع قتل إسرائيليين وإصابة ثالث بجراح خطرة، وحملت جملة من الرسائل والدلالات، فهو:
- لم يكن مرصوداً أمنياً.
- كان يعمل منذ 7 أشهر، في المدينة الصناعية، التي أنشئت في عام 1981، على أرض بلدات وقرى في محافظة نابلس.
- نشر على صفحته عبر "الفايسبوك"، رسالة قبل حوالى الشهر، تطرّق فيها إلى ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، التي وقعت في أيلول 1982، وكتب: "لن ننسى ولن نسامح".
- كما نشر قبل ساعات من تنفيذ العملية، عبر "الفايسبوك" أيضاً، رسالة، تمنّى فيها من الله أنْ يحقّق ما يصبو إليه، قائلاً: "اللهم بشّرني بما أنتظره منك، فأنت خير المبشّرين"، كما سلّم زميله في المصنع وصيته قبل ثلاثة أيام.
وعلى الرغم من هذه التعليقات والوصية، إلا أنّ أجهزة الإحتلال لم تتمكّن من الوصول إليه والحؤول دون وقوعها.
على أنّ الأخطر في الأمر، هو السلاح الذي استخدمه في تنفيذ العملية، وهو من نوع الـ"كارلو"، الذي يُصنّع في الضفة الغربية، واستُخدِمَ بشكل فعّال في الانتفاضتين الأولى والثانية في عامي 1987 و2000، حيث عمل الفلسطينيون على تطويره، خاصة في منطقتي الخليل ونابلس. ويُعرف بأنّه سلاح الفقراء، نظراً إلى انخفاض سعره، وتكلفة تصنيعه وسهولته، خاصة في ورش الخراطة والحدادة، من خلال الأنابيب الحديدية وقطع الأسلحة القديمة.
وسواء تمكّن أشرف من إدخال السلاح معه إلى عمله، مخترقاً الإجراءات الأمنية الإسرائيلية، أو نجح في تصنيعه في المصنع، الذي يعمل فيه، حيث نفّذ العملية، فإنّه نجح في إخفاء هذا السلاح واستخدامه في الوقت الذي حدّده، وباتجاه الهدف الذي اختاره، بل تمكّن من المغادرة إلى خارج المنطقة الصناعية، على الرغم من وجود أكثر من 8 جنود وحرّاس أمن إسرائيليين، كانوا عند مدخل المصنع، ولم يلاحظوا شيئاً، إلا مشاهدتهم له وهو يهرول حاملاً سلاحه.
وأظهر شريط فيديو في المصنع، تمكّن الشاب أشرف من مغادرة المكان مهرولاً، بعد تنفيذ العملية، وهو يحمل السلاح، الذي استخدمه، وحقيبة على ظهره إلى خارج المنطقة، حيث استطاع التواري سريعاً، في مشهد يذكّر بالشهيد أحمد نصر جرار، الذي نفّذ عملية في 9 كانون الثاني 2018، بقتل الحاخام رزئيل شيفح، ونجح بالتخفي وإرباك الإحتلال، إلى أنْ جرى اغتياله بعملية أمنية إسرائيلية مصغّرة، في مخيّم جنين بالضفة الغربية، في 18 كانون الثاني من العام ذاته.
ووصلت قوّات الإحتلال الإسرائيلي وشرطته والأدلّة الجنائية إلى المكان وباشرت تحقيقاتها.
فيما اقتحمت قوّة من الإحتلال منزل أشرف في حارة القطاين - ضاحية شويكة، وقام أفرادها بإخراج أفراد العائلة منه، وتفتيشه بشكل دقيق، بصحبة الكلاب البوليسية، وعبثوا بمحتوياته، بحثاً عنه، قبل الاستيلاء على كاميرات المراقبة الخاصة بالعائلة، وإطلاق القنابل الصوتية داخل المنزل بعد احتجاز النساء والأطفال في إحدى الغرف، ومنعهم من الحركة، ثم عمدوا إلى أخذ قياسات المنزل.
كما أجبروا عائلات في محيط المنزل على مغادرة منازلهم، وقاموا باحتجاز رجال المنطقة تحت الأشجار، وهم مقيّدو الأيدي، قبل اعتقال 5 منهم، بينهم شقيقه أمجد (31 عاماً)، بعد مواجهات عنيفة بين شبان الحي وجنود الإحتلال.
وترافقت عملية الاقتحام مع إطلاق جنود الإحتلال قنابل الغاز باتجاه منازل المواطنين.
كما اعتقل جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" أحد زملاء أشرف، الذي يعمل معه في نفس المصنع، على خلفية احتفاظه بوصية أودعها لديه قبل 3 أيام، ولم يبلغ عنها - على حد زعم الإحتلال – وقد جرى نقله إلى التحقيق، لمعرفة ما إذا كان بالإمكان منع العملية، لو أبلغ عن الوصية التي أعطاه إياها زميله، قبل أيام من تنفيذ العملية.
وطالب رئيس الكيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، أمس، "السلطة الفلسطينية بإدانة عملية إطلاق النار، والعمل للعثور على المنفّذ، ومَنْ تعاون معهم".
ورأى أنّ "هذه العملية تضر بإمكانية التعايش سوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
فيما أوضح رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو أنّ "الحديث يدور عن عملية صعبة، قُتِلَ فيها مستوطنان، كما جُرِحَتْ خلالها مستوطنة ثالثة، وقوّات الأمن تلاحق المنفّذ، وأنا متأكد من أنّهم سيقومون باعتقاله".
وأبلغ نتنياهو مجلس الوزراء في حكومة الإحتلال بأنّه "إذا لم تتحسّن الأوضاع في قطاع غزّة، فإنّ إسرائيل تستعد للقيام بعملية عسكرية".
فيما أشار الناطق بإسم جيش الإحتلال إلى أنّ "المعلومات المتوافرة لدى "الشاباك" والجيش تدل على خطورة هذه العملية".
وأضاف: "الشاب الفلسطيني نفّذ العملية بشكل فردي، وليس له انتماء تنظيمي، ويحمل تصريح عمل من سلطات الإحتلال، وعمل خلال الشهور السبعة الأخيرة في المصنع، الذي نفّذ فيه العملية".
بينما اعتبرت حركة "فتح" أنّ "الإحتلال الإسرائيلي يعجز عن حماية أي مغتصب للأرض، مهما حشد من عتاد، ومهما امتلك من قوّة، ومهما استخدم من إرهاب وقتل، وعملية اليوم (أمس) هي دليل آخر على ذلك".
إلى ذلك، قرّرت اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" في جلستها، التي عقدتها برئاسة الرئيس محمود عباس، أمس (الأحد) في مقر الرئاسة في رام الله بالضفة الغربية، دعوة المجلس المركزي للمنظّمة، للانعقاد في 26 تشرين الأوّل الجاري، والاستمرار في تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وآليات وجداول زمنية لذلك، بما يشمل تحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع سلطة الإحتلال.
وجدّدت التنفيذية قراراتها السابقة، وما جاء في خطاب الرئيس عباس أمام الجمعية العامة، برفض أنْ تكون الإدارة الأميركية شريكاً أو وسيطاً في عملية السلام، معتبرة إياها جزءاً من المشكلة، وليست جزءاً من الحل.
من جهته، أكد الرئيس عباس في مستهل اجتماع اللجنة المركزية لحركة "فتح"، الذي عُقِدَ أمس الأوّل (السبت) في رام الله، أنّ "القيادات الفلسطينية ستعقد سلسلة اجتماعات هامة، تنتهي بالاجتماع الحاسم للمجلس المركزي لمنظّمة التحرير الفلسطينية".
وقال: "خلال هذا الشهر سنرى ما الذي ستقرّره القيادات الفلسطينية، وفي آخر الشهر نحن سنكون مضطرين لتنفيذ كل ما يؤكد عليه المجلس المركزي يوم 26 من الشهر الجاري".
وأشار الرئيس الفلسطيني إلى أنّه "لقد أكدنا في السابق، أنّنا عقب العودة من الأمم المتحدة، سيكون هناك اجتماع للمجلس المركزي، لإطلاعه على نتائج اتصالاتنا واجتماعاتنا في الأمم المتحدة، للتأكيد على القرارات التي اتخذها في الاجتماع السابق".