بدأ الفراغ الحكومي يتحكّم بمفاصل الدولة ككل، فلم يعد التأثير مقتصرا على ملف سياسيّ هنا او مشكلة اقتصاديّة هناك، اذ بات ينعكس في أكثر من مكان، لم يكن اولهم تعيين العمداء في كليّات الجامعة اللبنانية، ولكن على أمل أن يكون آخرهم الفراغ في رئاسة الأركان في الجيش اللبناني.
بداية الأسبوع المقبل في 15 تشرين الاول، يُحال رئيس الأركان حاتم ملاك الى التقاعد، وبظل غياب الحكومة لن يكون تعيين البديل ممكنا، خصوصا وأن البديل الذي يجب أن يختاره مجلس الوزراء بحاجة الى مرسوم وزاري ينص على ترقيته الى رتبة لواء. إن هذا الفراغ يؤثر على عمل الجيش اللبناني نظرا لحساسيّة الموقع وأهميته، لذلك يجب البحث عن طريقة لتعبئته ولو "شكليا" قبل تشكيل الحكومة المقبلة.
"لا يمكن إبقاء المنصب خاليا بسبب المهام الجسيمة الملقاة على عاتق الجيش اللبناني"، تقول مصادر متابعة، مشيرة الى أنه بنفس الوقت لا يمكننا الهروب من واقع أن الشغور أصبح أكيدا، لأن الفترة المتبقية على انتهاء خدمة ملاك لا تكفي لتشكيل حكومة وإعدادها بيانا وزاريا يعطيها الثقة في المجلس النيابي، لذلك لا بد من البحث عن الطريقة التي تتم عبرها تسيير شؤون الأركان ريثما يتم تعيين البديل.
في هذا السياق، تعود المصادر بالذاكرة للفراغ الذي ألمّ بمنصب قائد الجيش إثر انتخاب رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، عام 2008 بعد اتفاق الدوحة الشهير، فيومها شغر منصب قائد الجيش، وتولى رئيس الأركان السابق شوقي المصري المنصب بالإنابة، مشيرة الى ان الوضع الحالي قد يبدو مختلفا لناحية المنصب، ولكنه ليس مستبعدا أن تلجأ قيادة الجيش الى تعيين الضابط الأعلى رتبة بعد قائد الجيش العماد جوزف عون، بديلا عن ملاك لتسيير اعمال "الأركان"، دون ان يكون لهذا التعيين صفة رسمية كون قيادة الجيش لا تملك الصلاحية لمثل هذا الفعل، بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة وانطلاق عملها.
اذا، من الناحية القانونية أصبح الفراغ أكيدا، ولكن من ناحية تسيير الأعمال فالحل موجودا، خصوصا أنه من غير المتوقع أن يشكّل تعيين "مسيّر الأعمال" خلافا مذهبيًّا ولو كان من غير الدروز. وفي هذا الإطار تقول مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي: "نحن لسنا في موقع المعارض لمصحلة الجيش اللبناني، ونعلم خصوصيّة هذا الموقع وضرورة تواجد من يسيّر الاعمال فيه ريثما يتم تعيين الأصيل في الحكومة المقبلة، مع الأخذ بعين الاعتبار غياب الدروز عن اجتماعات مجلس القيادة".
الى ذلك، يرشّح رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط بحسب المصادر مدير التعليم في الجيش العميد الركن أمين العُرم ليكون بديلا عن اللواء ملاك، مع العلم أن المنصب هذا كان محل نقاش وخلاف بين جنبلاط والتيار الوطني الحر، ولكنه لم يعد كذلك، خصوصا وأن الخلاف السياسي القاسي بين الطرفين لم يعد موجودا بعد تشكيل لجنة الحوار، لذلك يمكن القول أن العميد العُرم هو أبرز المرشحين المتوقّع حصوله على الإجماع ليكون رئيس الأركان المقبل.
بحال عدم حصول المفاجاة وبانتظار تعيين العُرم في مجلس الوزراء، ستحاول قيادة الجيش تسيير امورها باعتماد نظام الرتب العسكريّة، لأنّ أيّ فراغ بالمراكز الحسّاسة من شأنه أن يؤثر على انتاجية العمل العسكري ككل.