بعد أزمة دبلوماسيّة قادت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على تركيا، توصّلت واشنطن وأنقرة إلى "صفقة"، ينكرالجانبان، حتى الساعة، وجودها، وهي أدّت إلى الإفراج عن القس الأميركي الذي كان معتقلاً في تركيا أندرو برونسون، رغم وجود الكثير من المؤشّرات التي تؤكد أن عمليّة الإفراج تمت بعد إتفاق مسبق بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان، على هامش اجتماعات الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة، يقضي بإسقاط القضاء التركي عدداً من التهم الموجهة لرجل الدين الأميركي.
من أبرز هذه المؤشرات، "الشكر" الذي كان قد توجه به ترامب إلى أردوغان بعد الإفراج عن برونسون، مع العلم أن الرئيس التركي سارع إلى الردّ بأن القضاء في بلاده سلطة مستقلة، وبالتالي فإن عمليّة إطلاق سراح القسّ تمت وفقا لقانون، أيّ دون تدخل من جانبه أو من قبل أيّ مسؤول تركي آخر، في حين كانت بعض وسائل الإعلام في واشنطن قد تحدثت عن السيناريو المُعد قبل تنفيذه، أي قبل عقد جلسة المحاكمة يوم الجمعة الماضي.
في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أن هذه الخطوة تمّت بعد إعلان وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، في التاسع من الشهر الحالي، عن بدء تدريبات مشتركة بين الجانبين، متعلقة بالإتفاق المبرم حول الوضع في مدينة منبج السوريّة، كماأنها تأتي في مرحلة الحملات الإنتخابية الأميركيّة، التي يسعى فيها ترامب إلى تأمين فوز مرشحي الحزب "الجمهوري". ومن المؤكّد أن عمليّة الإفراج عن برونسون ستكون في صالحه، بعد أن كانت عمليّة إعتقال الصحافي السعودي جمال خاشقجي قد أثّرت عليه سلباً، بشكل غير مباشر، نظراً إلى أنه لم يقدم على إتخاذ أيّ إجراءات ضد الرياض.
في هذا السياق، يرى السفير اللبناني السابق في الولايات المتحدة رياض طبّارة، في حديث لـ"النشرة"، أن القضيّة كانت منذ البداية سياسيّة بإمتياز، أيّ أن الإعتقال كان سياسياً وكذلك عمليّة الإفراج، بعد أن سيطر "العناد" على العلاقة بين ترامب وأردوغان في الفترةالسابقة. ويشيرطبارة إلى الإستقبال الذي حظي به برونسون، بعد عودته إلى بلاده، من قبل الرئيس الأميركي، حيث يعتبر أن ترامب أراد توجيه رسالة إلى الناخبين من اليمين المسيحي بأنه نجح في إستعادة "الأسير"، ويؤكد أن هذا الأمر له أهمية خاصة على مستوى مزاج الناخب، ويضيف: "ترامب اليوم يسعى إلى جمع الأصوات من مختلف الجهات".
وعلى الرغم من تأكيد السفير طبارة أنّ هذا الأمر سيقود إلى تحسين على مستوى العلاقات الأميركيّة-التركيّة، التي توتّرت في الأشهر السابقة، يشدّد على أنّ أزمة الإقتصاد التركي لا علاقة لها بالعقوبات التي فرضتها واشنطن، نظراً إلى أنّ التراجع في سعرصرف الليرة التركيّة كان قد بدأ قبل ذلك، لكنه يشير إلى تحسّن جزئي، في الأيام المقبلة، لتعود بعد ذلك الأوضاع إلى ما كانت عليه.
من جانبه، يرفض الكاتب والمحلل السياسي التركي سمير صالحة، في حديث لـ"النشرة"، إستخدام مصطلح "الصفقة"، نظراً إلى أن القرار يعود إلى القضاء التركي، لكنّه يؤكد أنه سيكون له تداعيات كثيرة على العلاقة بين البلدين، لا سيما على مستوى إنهاء التوتّر الذي نتج عن هذه القضية في الأشهر الماضية.
ويشير صالحة إلى أن عملية إطلاق سراح القس الأميركي سيكون لها تداعيات أيضاً على بعض الملفّات الإقليميّة، التي كانت قد تأثّرت سابقاً بالتوتّر الأميركي-التركي، لا سيّما على مستوى الملفّ السوري.
في المحصّلة، عمليّة إطلاح سراح برونسونستكون مفصليّة على مستوى العلاقة بين البلدين، لكنّها ليست الملفّالوحيد العالق بين الجانبين، فهناك الموقف من أكراد سوريا بالإضافة إلى مطالبة أنقرة بتسلّذم المعارض فتح الله غولن، من دون تجاهل رغبة واشنطن بمنع تركيا من عقد صفقات شراء أسلحة مع روسيا، بالتزامن مع مطالبتها بالإفراج عن معتلقين أميركيين، إلا أنّ الأكيد أن ترامب وأردوغان كانا يحتاجان إلى هذه "الصفقة" في الوقت الراهن.