تراجع الإهتمام الإعلامي بشأن الوضع في سوريا بشكل كبير في المرحلة الأخيرة، علمًا أنّ أيّ طرف لم يُعلن إنتهاء الحرب هناك، ولا جرى التوصّل إلى إتفاق سلام نهائي بعد، ولا حتى بدأت عمليّات إعادة الإعمار الشاملة والواسعة. فكيف هي الصُورة الإجماليّة حاليًا، وما هي التوقّعات لمُستقبل سُوريا ولمصير الرئيس السُوري بشّار الأسد،عشيّة إتمام الحرب السُورية عامها السابع؟.
ميدانيًا، التركيز حاليًا هو على تنفيذ الإتفاق الخاصبالمنطقة منزوعة السلاح في إدلب(1)، والذي كان أوقف هجوم الجيش السُوري والقوى الداعمة له على المحافظة المذكورة آخر معاقل المُعارضة.يُذكر أنّ يوم الإثنين هو آخر مُهلة لإنسحاب الفصائل "الجهادية" من المنطقة الفاصلة في إدلب، بموجب الإتفاق الروسي–التركي، وقد دعا الجيش السُوريالمدنيين إلى الإبتعاد عن المُسلّحين، في إطار ضُغوطه المُستمرّة لتنفيذ الإتفاق. وعلى الرغم من العراقيل الميدانيّة المُتفرّقة التي تظهر بين الحين والآخر، فإنّ الإتفاق الخاص بإدلب مُرشّح للإستمرار في المرحلة المُقبلة، في إنتظار تبلور التسويات السياسيّة ذات المدى الأوسع.
سياسيًا، تمّ تجاوز مسألة تنحّي الرئيس السُوري بشّار الأسد بشكل كامل، بسبب ميل كفّة الميزان العسكري لصالح المحور الذي دعمه وقاتل إلى جانبه، منذ تاريخ تدخّل روسيا عسكريًا في الحرب السُورية في أيلول من العام 2015، في مُقابل إنكفاء الولايات المتحدة السياسي، وخلافها الكبير مع تركيا، وتراجع الدعم الخليجي للقوى "المُعارضة" بسبب تفوّق الجماعات الإرهابيّة على الجماعات المُؤيّدة لها لأكثر من سبب، من دون أن ننسى الدور الإيراني العسكري الحاسم أيضًا، عبر مُقاتلين مُدرّبين من قبلها. واليوم، بات هذا الموضوع خارج سياق البحث، نتيجة رفض المحور الداعم للنظام السُوري أيّ حديث بهذا المعنى ولوّ من باب النقاش، حيث أنّ المُفاوضات التي ترعاها موسكو في آستانة أو سواها، تتجاهل تمامًا هذا المطلب.
وأمام هذا الواقع، باتت القوى المُؤيّدة للمُعارضة تتساءل ما إذا كان هُناك أي فرصة للتوصّل إلى تسوية نهائيّة، في ظلّ هذا الواقع غير المُتكافئ عسكريًا وسياسيًا بين النظام السُوري ومُعارضيه. إشارة إلى أنّ الرئيس السُوري يُواصل سياسة تفريغأيّ مفاوضات برعاية دَولية من مضمونها، لأنّ أي تسوية مُحتملة ستُقلّص من الإنتصارات المُحقّقة لصالحه، مع العلم أنّ النظام السُوري يعتبر أنّ أي حُكومة تضمّ شخصيّات من المُعارضة تُمثّل تنازلاً غير ضروري من جانبه، وأي تحديد لمهلة إنتقال سياسي في سوريا هو مطلب غير واقعي بعد النتائج العسكريّة الميدانيّة المُحقّقة، وأيّ فرض لإنتخابات عامّة برعاية دَوليّة هو تنازل غير ضروري على الإطلاق. ويُمكن القول إنّ المفاوضات التي تحصل بين الحين والآخر، باتت مُرتبطة بتنظيم العلاقات بين كل من روسيا وإيران وتركيا، أو مُرتبطة ببعض المسائل الثانويّة المُحدّدة في سوريا، ولا تشمل التسوية النهائية للحرب السُوريّة، ما يعني أنّ لا نتائج مُهمّة مُتوقّعة من أي جولة مُفاوضات جديدة.
واللافت أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة لم تعد تُفاوض خلال إتصالاتها الدوليّة، خاصة مع روسيا، على مسألة التسوية النهائيّة في سُوريا، بل على الوُجود العسكري الإيراني هناك، وذلك في إطار عمليات شدّ الحبال المُتواصلة بين واشنطن وطهران من جهة، وحماية لمصالح إسرائيل الإقليميّة من جهة أخرى. ولم يعد للورقة العسكريّة الأميركيّة أهميّة تُذكر، بعد إنحسار وجُودها هناك بنحو ألفي عسكري في شرق سوريا، وتحديدًا في مناطق نُفود وحدات "قوات سوريا الديمقراطيّة" ذات الأغلبيّة الكرديّة، إضافة إلى قُوّة أميركيّة صغيرة في قاعدة التنف العسكريّة في محافظة دير الزور، وتحديدًا بالقرب من المثلث الحُدودي بين العراق وسوريا والأردن. فالأوراق الأميركيّة باتت محصورة مثلاً بمسألة فكّ مخيّم "الركبان" وتفريغه من اللاجئين المعارضين الذين كانوا قد فرّوا إليه من الغوطة الشرقية وجنوب سوريا، وببعض المسائل والتفاصيل الثانويّة الأخرى(2). لهذا السبب، رفعت واشنطن أخيرًا ورقة الضغط الإقتصادي بوجه النظام السُوري والمحور الداعم له، حيث جرى التشديد على أن لا تمويل من أي دولة أوروبيّة أو غربيّة، لإعادة إعمار سوريا، ما لم يرضخ النظام السُوري لسلسلة من الشروط. يُذكر أنّ منح روسيا وإيران والجهات الدائرة في فلكهما حصريّة عُقود إعادة الإعمار، لا يؤمّن سوى جزء صغير من الأموال الضخمة المطلوبة. فإعادة إعمار سوريا لا تنحصر بإعادة إفتتاح مطعم هنا أو بتشييد مبنى هناك، بل يتطلّب أموالاً ضخمة لصيانة كامل البنى التحتيّة في البلاد ولإعادة إعمار بلدات دُمّرت بكاملها، إن كليًا أو جزئيًا. وهذا الأمر يتطلّب تكافل العديد من الجهات مع بعضها، والحُصول على تمويل من صناديق الإستدانة العالميّة.
في الختام، يُمكن القول إنّ دور مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بات محصورًا بفتح ممرّ آمن هنا، وبنقل مواد غذائيّة هناك، وبإعادة بعض اللاجئين هنالك، حيث جرى تفريغ دور المُنظّمة الدَوليّة من أي سُلطة تُذكر لإنهاء الصراع. وعلى خطّ مُواز، الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية عادت لتنشط بشكل واضح في المرحلة الأخيرة، علمًا أنّ أي تقارب أو خلاف بينهما يأخذ في البداية مصالح هاتين القُوّتين العالميّتين الرئيسيّتين قبل سواهما. وعلى المُستوى الإقليمي، إنّ إهتمام إيران يتركّز على صيانة نُفوذها العسكري والسياسي في المنطقة، في حين يتركّز إهتمام تركيا على حماية مصالحها وعلى منع قيام أي أرضية قد تسمح في المُستقبل لإنفصال المجموعات الكرديّة عنها. أمّا إسرائيل، فإنّ إهتمامها هو على الحدّ من المخاطر الأمنيّة التي تتنامى ضُدّها إنطلاقًا من الأراضي السُورية، وهي تُواصل العمل للحدّ منها. وبالتالي، يبدو أنّ تاريخ التوصّل إلى إتفاق نهائي بشأن الحرب السُورية ليس قريبًا كما كان يتردّد، ومرحلة المُماطلة والتأقلم مع الواقع القائم ستطول أكثر ممّا كان مُتوقّعًا، ما يعني إستمرار الرئيس الأسد في سُدّة الحكم لفترة غير واضحة، في ظلّ تحوّل سوريا إلى موقع لصراع سياسي إقليمي ودَولي حاد، بعد إنتهاء مرحلة الصراع العسكري بنسبة كبيرة.
(1) توصّلت كلّ من موسكو وأنقره إلى إتفاق في 17 أيلول الماضي نصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح في مدينة إدلب ومحيطها، بمساحة تبلغ نحو 15 إلى 20 كيلومترًا، على أن يتم أوّلاً سحب السلاح الثقيل منها، ثمّ سحب المُقاتلين "الجهاديّين".
(2) ومن بين المعارك المحدودة المُنتظرة، معركة إنهاء فلول تنظيم داعش الإرهابي في منطقة هجين، شمال شرق سوريا، والتي يتوقع السيطرة عليها قريبًا من قبل قوات مدعومة من جانب "قوات التحالف الدولي".