تشهد بلدة كونين الجنوبية، والتي تقع في قضاء بنت جبيل، خلافاً بين عدد من أبنائها وشخص يدعى ابراهيم ابراهيم على خلفية ملكيّة العقارات في البلدة. وتطوّر هذا الخلاف مؤخراً بعد تقديم ابراهيم مئات الإعتراضات للقضاء على هذه العقارات، ما منع الأهالي من الاستفادة منها.
تعود قصّة عقارات هذه البلدة إلى فترة الإحتلال العثماني، إذ ان السلطنة العثمانية كانت تعتبر نفسها المالك للأراضي الزراعية، وكانت تعيّن وكيلاً لها في كل منطقة، يكون من أبناء بلدات المنطقة وظيفته جباية الضرائب من المواطنين. وهذه الضريبة عبارة عن تقديم نسبة 20 بالمئة (1/5) من المحصول الزراعي الذي ينتجه الفلاحون من أرضهم للسلطات العثمانية. وكان المسؤول عن منطقة كونين الإقطاعي خليل الأسعد، والذي أنجب طفلين أحمد ومحمد، واللذان استمرا بهذه المهمة حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى.
وبعد ضم منطقة الجنوب إلى لبنان الكبير في زمن الإنتداب الفرنسي، باتت عائلة الأسعد من زعامات هذه المنطقة، وفي زياراته لمناطق الجنوب كان بعض الأهالي، ومنهم أهالي كونين يقدّمون أراضيهم هدايا للأسعد بهدف "رضى الزعيم".
وفق مصادر بعض أهل القرية، فإن المشكلة بدأت "حينما حضر رجل أعمال لبناني مقيم في افريقيا ويدعى عبد الحسين ابراهيم إلى الجنوب، وزار الأسعد في قصره في الطيبة، حينها عرض عليه الأخير بعض الأراضي في كونين للبيع، رغم أنه لا يمتلكها بل كان قد صادرها بسبب نفوذه العثماني، وقام ابراهيم بشرائها".
ولفتت المصادر إلى أن "عبد الحسين ابراهيم لدى شرائه هذه الأراضي، ظلّ يأخذ من الأصحاب الأصليين لهذه الأراضي، الضريبة التركيّة ويأخذ جزءًا من المحصول الزراعي للمزارعين رغم انتهاء الاحتلال، إلا أن الأهالي خوفاً منه كانوا يقدّمون هذه الضرائب"، مشيرة إلى أن "الأمر ظل هكذا حتى العام 1977، فمع تسلم نجل عبد الحسين ابراهيم الإرث من أبيه، بدأ أهالي البلدة يدرون ان ما يحصل خارج نطاق القانون، وأن الوريث ابراهيم ابراهيم استغلّهم بأراضيهم مع آل الأسعد فطردوه، دون أن يتمكّن من إبراز أيّ حجة قانونيّة تثبت ملكيّته لأراضي كونين".
وأضافت المصادر ان "ابراهيم ابراهيم ظل في الجنوب حتى نهاية الثمانينات قبل أن يسافر إلى استراليا ليبقى فترة 8 سنوات ويعود مجدداً إلى لبنان"، مشيرة إلى أنه "مع بداية التحرير عام 2000 والنهضة العمرانية التي شهدها الجنوب بعد خروج الجيش الاسرائيلي، بدأ ابراهيم عام 2001 بإقامة الدعاوى القضائية ضد أهل كونين ووضع الإشارات على العقارات لمنعهم من الإعمار بحجة ملكيّته للأراضي"، إلا أنه وبحسب المصدر "خسرها في حينها لأن الأوراق والحجج التي يمتلكها كانت مزوّرة ولا تملك الأهليّة القانونيّة لإثبات الملكيّة فخسر 70 دعوى من الدعاوى التي قدّمها".
وتابعت المصادر، أنه بعد "خسارة ابراهيم للدعاوى اكمل بعض المواطنين الإعمار، على عقارات لم تطلها الدعاوى الاولى، حتى أقام دعاوى جديدة فتدخلت القوى الأمنيّة وقتذاك لمنع الإعمار وجرت بعض الإشكالات حتى كان الحل بإصدار "العلم والخبر" لأهالي البلدة، وهي وثيقة رسميّة تثبت ملكية عقار محدد بناءً لشهود الجيران الأربعة الذين يحيطون بالعقار وحجج قديمة، لأنه لم يكن هنالك مسح للأراضي في فترة ما بعد التحرير، حينها بدأ أهل القرية بالإعمار معتمدين على العلم والخبر كمستند رسمي". وتابعت المصادر شارحة أنه "في العام 2013، عيّنت الدولة مسّاحاً للأراضي لإصدار سندات ملكيّة رسميّة. ورغم بعض المخالفات التي جرت الا ان اهل القرية كانوا راضين".
وظلّ الأمر كذلك "حتى العام 2016 حين أصدر وزير الماليّة علي حسن خليل قراراً بتوقيف عمل المسّاح السابق، وبالتالي تم إيقاف عمليّة المسح وإلغاء جميع محاضره التي كانت قد صدرت سابقاً بعد اتهامات إلى المسّاح بمخالفة القوانين". إلا أن المصادر تسأل "بما أن المسّاح قد خالف لماذا لم تتمّ محاسبته على غرار ما حصل في القرى الأخرى".
واتهمت المصادر "ابراهيم باستغلال هذا الوضع وقيامه بتقديم مئات الاعتراضات للقضاء على عقارات في البلدة ما أدّى لمنع أهل كونين من الاستفادة من أراضيهم، مع العلم أن هذه الاعتراضات غير مرفقة بأي مستند أو حجّة تثبت ملكيّته، وكان في السابق قدّم ما لديه من حجج وخسرها كلها، فلماذا يقوم بذلك مجددا"؟. من هنا ثَبُت بحسب المصادر نفسها "تدخّل القوى السياسيّة النافذة في المنطقة وبعض النافذين لإصدار هكذا قرار بسبب ضغط قام به ابراهيم، متّهمة أن ما يحصل اليوم هو إقطاع جديد تساهم فيه الأحزاب وبعض النافذين في القرية"، متوعدة بأن "الأهالي سيصّعدون وصولاً للمظاهرات وإقفال الطرق".
"لن تعكّر العلاقة بيني وبين أهل كونين"
من جانبه، رفض ابراهيم ابراهيم هذه الاتهامات. وفي حديث مع "النشرة" أكّد أن "ما يجمعني مع أهل كونين هو الكثير ولا يمكن لأيّ تفصيل أن يعكّر هذه العلاقة القديمة والتاريخية، ولن يتمكّن أحد من وضعها في غير إطارها"، لافتاً إلى أن "من يهاجمني هو جاهل بكامل الملفّ ويرفض التسوية على غرار باقي القرى".
من هنا، شرحت مصادر مقربة من ابراهيم بأن "ما يحصل غير منطقي، فكيف يتم اتهامه بأنه يعتدي ويسرق أراضي القرية بينما الحقيقة تظهر انه هو من يقوم برفع الدعاوى القضائية لاسترجاع أملاكه وأملاك والده، فلو كانت الحقيقة كما يتهمونه بها لكانت الأراضي باسمه هو والناس هي من تعترض في القضاء"، لافتة إلى أن "المستندات التي يملكها ابراهيم تثبت امتلاكه بعض العقارات بالمشاركة مع أهالي القرية (أي 1200 سهم من أصل 2400 سهم في بعض العقارات) فلو كان فعلاً قد زوّر المستندات فلماذا لم يزوّرها ليكون العقار بأكمله ملكاً له".
وأشارت المصادر إلى أن "ابراهيم رفض اقامة دعاوى قضائيّة بحق الأشخاص الذين تناولوا شخصه على مواقع التواصل الاجتماعي لأنه لا يريد أن يتسبب بأي شيء يمكن أن يعكّر علاقته الطيّبة مع أهل كونين".
ورداً على سؤال، أوضحت المصادر أن "العلم والخبر الذي يمتلكه أهل القرية هو مستند غير قاطع بالمصطلح القانوني، أي يمكن الطعن به وبالتالي هذه الورقة لا تلغي المستندات والحجج التي يملكها، والتي سيظهرها أمام القضاء تباعاً"، متسائلة "إن كان فعلاً ابراهيم مدعوما من بعض القوى السياسية، فلماذا يلجأ للقضاء"؟.
الملفّ اليوم إذا بات عند القضاء. فهل يتمكّن من إنصاف أصحاب الحقوق من الطرفين وإعادة الأملاك لأصحابها؟.