يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإلتفاف على موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الرافض لـ"صفقة القرن"، التي تستعد إدارة البيت الأبيض لإطلاقها، والتي رفضتها القيادة الفلسطينية، وأكدت تمسّكها بالثوابت، ورفض استمرار الولايات المتحدة راعياً وحيداً للعملية السلمية، والتي ثبت انحيازها الكامل للكيان الإسرائيلي، والضرب عرض الحائط بالأعراف والمواثيق الدولية، خاصة الاعتراف بالقدس الموحّدة عاصمة للكيان الإسرائيلي، ونقل سفارة بلدها إليها من تل أبيب، وتشجيع الاستيطان.
فقد نُقِلَ أنّ رجل الأعمال الأميركي رون لاودر، المقرّب من ترامب، أبلغ قيادات فلسطينية بأهمية العودة إلى طاولة المفاوضات، "لأنّ هناك فرصة جيدة لتحقيق تقدّم كبير، ودراسة "صفقة العصر" من جديد لأنّ ترامب يخبّئ للفلسطينيين مفاجآت طيبة لا يتخيلونها وأنها ستعجبهم جداً"، على حد تعبيره.
ولكن، مثل هذه المحاولات لم تعد تنطلي على الجانب الفلسطيني، إذ قامت الإدارة الأميركية بخطوة تصعيدية جديدة، في محاولة للضغط على الفلسطينيين، حيث قرّرت دمج القنصلية الأميركية التي تتعامل مع الفلسطينيين في القدس الشرقية، بالسفارة الأميركية الرسمية، أي إنّ قناة التواصل مع الفلسطينيين ستصبح من مهام السفارة الأميركية، من خلال وحدة خاصة لشؤون الفلسطينيين بالسفارة.
وفي أوّل رد فلسطيني على هذا القرار، وصفه أمين سر اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" الدكتور صائب عريقات بـ"الأحادي واللامسؤول".
واعتبر عريقات أنّ "القرار يأتي في إطار استكمال حلقات مشروع فرض إسرائيل الكبرى على أرض فلسطين التاريخية، التي دشّنها بإزاحة قضايا القدس واللاجئين، وتثبيت المستوطنات غير الشرعية، وتصفية القضية الفلسطينية.
وأكد أنّ "دولة فلسطين ستقوم بواجباتها تجاه قضية شعبها، وحماية حقوقه غير القابلة للتصرّف، وستتّخذ جميع الإجراءات اللازمة، ردّاً على هذه الخطوة الخطيرة كما فعلت دائماً".
كما وجّه عريقات بصفته رئيساً لـ"اللجنة الوطنية العليا" المسؤولة عن المتابعة مع "المحكمة الجنائية الدولية"، بلاغاً إلى المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا، من أجل الإسراع في فتح تحقيق جنائي
في الجرائم المتواصلة، التي يرتكبها الإحتلال الإسرائيلي، بحق الشعب الفلسطيني وأرضه المحتلة، والتي تصنّف، وفقاً لنظام روﻣﺎ اﻷﺳﺎﺳﻲ، باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأورد عريقات في بلاغه سرداً تفصيلياً للنشاط الاستيطاني الاﺳﺘﻌﻤﺎري اﻟمتواصل ﻓﻲ مدينة اﻟﺨﻠﻴﻞ، إضافة إلى الاعتداءات المتواصلة والممنهجة من قِبل قوّات الإحتلال والمستوطنين المتطرّفين بحق مواطنيها.
وركّز عريقات في رسالته على قيام سلطات الإحتلال مؤخّراً بالإعلان عن تمويل بناء 31 وحدة استيطانية جديدة في شارع الشهداء، التي سبق أنْ تمَّ الإعلان عنها من قِبل المستوطنين في تشرين الأول من العام الماضي، والذي سيكون أوّل مبنى استيطاني يُقام بشكل كامل منذ عام 1979، في قلب البلدة القديمة.
تزامناً، عقد مجلس الأمن الدولي، أمس (الخميس) جلسة فصلية حول الشرق الأوسط، حيث أكد المندوب الدائم لفلسطين في الأمم المتحدة السفير الدكتور رياض منصور أنّ "حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، والعيش بحرية هو أمر مشروع، ولا يمكن التصرّف فيه، وهذا الحق ليس للبيع، ولا يمكن التفاوض أو المساومة عليه من أي أحد ولا نطلب إذناً لممارسته".
ودعا إلى "وضع حدٍّ للإحتلال والظلم التاريخي الواقع على شعبنا، وهذه الدعوة ليست فقط لاحترام
تحقيق حقوق الإنسان، والطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني، وإنّما للمجتمع الدولي للاحترام وللدفاع عن المبادئ والأخلاق العالمية التي تطوّرت، وتمّت الموافقة عليها كمبادئ لمنع حصول المزيد من الخطر في مثل هذه المراحل الآخذة بالسوء".
وحثَّ منصور "مجلس الأمن الدولي على تطبيق ميثاقه، والإلتزام بالقرارات الصادرة عنه بما في ذلك قرار (2334) والقرارات الأخرى الخاصة بالمسائل الجذرية، التي تؤدي معالجتها إلى سلام عادل ودائم".
هذا في وقت، تبذل مصر جهوداًً من أجل تهدئة الأوضاع في قطاع غزّة ومنع تفاقمها.
وفي زيارة مفاجئة، وصل ظهر أمس (الخميس)، وفد رفيع المستوى من المخابرات العامة المصرية إلى غزّة، وعقد لقاءً مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الدكتور اسماعيل هنية في منزله.
وضمَّ الوفد 5 شخصيات، يتقدّمهم: وكيل المخابرات العامة المصرية اللواء أيمن بديع، رئيس ملف فلسطين في المخابرات اللواء أحمد عبد الخالق والعميد همام أبو زيد.
ووُصِفَ اللقاء بالهام، حيث ناقش الوفد المصري مع قيادة "حماس"، الأوضاع الأمنية على الساحة الفلسطينية، والتهدئة مع الإحتلال الإسرائيلي.
ووصل الوفد صباحاً إلى غزّة، عن طريق معبر "إيريز" - بيت حانون - شمال القطاع، قبل أنْ يغادره مساء إلى رام الله في الضفة الغربية.
وكان الوفد الأمني المصري قد غادر غزّة أمس الأول، بعد الإعلان عن إلغاء زيارة رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية الوزير عباس كامل للقطاع، والتي كانت مقرّرة أمس (الخميس) بعد التصعيد المتواصل على حدود القطاع، حاملاً رسالة من حركة "حماس" حول صاروخ بئر السبع.
وتشخص الأنظار إلى مسيرات العودة وكسر الحصار، في الجمعة الـ31، التي ستنطلق اليوم (الجمعة) على حدود قطاع غزّة، وتحمل عنوان "معاً غزّة تنتفض والضفة تلتحم".
وهناك جهود تؤكد التزام الطابع السلمي للمسيرات، وعدم الانجرار إلى التصعيد، لتفويت الفرصة على الإحتلال، الذي يحاول جر الفصائل إلى مربّع "العسكرة" من جهة، والحفاظ على استمرارية التظاهرات بذات الزخم من جهة أخرى، لكن مع اللجوء إلى تخفيف عدد البالونات الورقية الحارقة التي تُطلق من القطاع بإتجاه مستوطنات الإحتلال.
في غضون ذلك، شهد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر "الكابنيت"، نقاشاً حادّاً بين المسؤولين السياسيين والجيش والأجهزة الأمنية، على مدى 6 ساعات، حول توجيه ضربة عسكرية ضد قطاع غزّة في الوقت الراهن، من عدمه.
وأذعن "الكابينيت" لتقدير الجيش والأجهزة الأمنية، حين قرّر العودة إلى الهدوء على حدود قطاع غزّة، وعدم الدخول في عملية عسكرية واسعة في القطاع حالياً، بل التزام التهدئة برعاية مصرية.
وكان قادة الإحتلال العسكريون قد أوصوا "الكابينيت" بالشروع في عملية عسكرية قصيرة في غزّة، تشمل تنفيذ غارات جوية واسعة النطاق في القطاع.
وسيُجري "الكابينيت" المزيد من الدراسات والتقييمات حول إمكانية تنفيذ عملية عسكرية في غزّة، في ضوء مسيرات العودة التي تُقام يوم الجمعة.
وطالب المجلس كافة المستوطنين في مستوطنات بئر السبع وغلاف غزّة للعودة إلى العمل بشكل طبيعي.
وبعد مباحثات "الكابينيت" أمس الأول، الذي خُصِّصَ لدراسة الرد على إطلاق الصاروخ باتجاه بئر السبع واستمرار التظاهرات على الحدود، بثّت "كتائب الشهيد عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، رسالة موجّهة إلى قادة الإحتلال عبر مقطع مرئي قالت فيها: "إياكم أنْ تخطئوا التقدير".
وأظهر العرض الذي نشره موقع "القسام" مجموعة من المقاومين، وهم يجهّزون منصّات تحمل صواريخ، وخُتِمَتْ بالقول: "إياكم أنْ تخطئوا التقدير".
إلى ذلك، أتمَّ الاعتصام المفتوح المتواصل في الخان الأحمر - شرقي القدس، شهره الرابع، حيث بلغ أمس 121 يوماً، ضد قرار "المحكمة العليا" الإسرائيلية بهدمه وطرد وتشريد أهله منه.
وقد أفشل المعتصمون من أبناء الخان ومتضامنون فلسطينيون وأجانب 4 محاولات للإحتلال لهدمه، بتصدّيهم لجرّافاته وجبروته.
ودعماً لصمود الأهالي ورفع معنويات المعتصمين وأهالي القرية، زار رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله، القرية، برفقة عدد من الوزراء والشخصيات الرسمية.
وشدّد الحمد الله على أنّ "صمودنا وثباتنا في الخان الأحمر، هو الخطوة الأولى لإفشال "صفقة القرن"، التي تبدأ بفصل شمال الضفة عن جنوبها، والقدس عن محيطها، وفصل قطاع غزّة عن الضفة الغربية"، مؤكداً أنّ "القيادة وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، متمسكون بإفشال هذا المخطّط مهما بلغت التحديات والضغوطات الدولية، التي هي بالفعل موجودة، وبدأت بالحصار المالي، ولكن من المستحيل أنْ تقبل القيادة بمقايضة الأرض والوطن بأي مال سياسي".
ووجّه الحمد الله التحية إلى "أهالي الخان الأحمر، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وعلى رأسهم رئيس الهيئة وليد عساف، وكل المتضامنين من أبناء شعبنا والمتضامنين الأجانب، وكل مَنْ قدّم التضحيات في سبيل الوطن، من شهداء أبناء شعبنا والأسرى في سجون الإحتلال والجرحى".
وتفقّد الحمد الله، برفقة الوزراء، مدرسة الخان الأحمر وصافح المدرّسين وعدداً من التلاميذ، محيياً صمودهم.
من جانبه، أوضح رئيس مجلس قروي الخان الأحمر عيد خميس أنّ "الإحتلال يسعى للسيطرة على البوابة الشرقية للقدس، لتفريغ المدينة من أهلها، وإذا تمَّ هدم قرية الخان الأحمر سيتأثّر كل فلسطيني، وكذلك سينتهي حلم الدولة الفلسطينية، ولكن بوعي الشعب الفلسطيني والإرادة والتصميم سنواصل صمودنا هنا مهما حصل، ولنا عبرة بقرية العراقيب التي هُدِمَتْ 134 مرّة، وشعبنا الفلسطيني سيبني قرية الخان الأحمر في حال قيام الإحتلال بهدمها".