مع وصول عملية تشكيل الحكومة الجديدة إلى مراحلها النهائية كما توحي كلّ الأجواء السياسية والإعلامية، وكما يؤكد معظم العاملين على خط التشكيل، تطرح أسئلة كبيرة لا بدّ أن يجيب عليها المسؤولون المعنيون. لماذا استلزم تشكيل الحكومة كلّ هذا الوقت طالما أنّ العقد التي كانت تحول طيلة الأشهر الخمسة الماضية دون ولادة الحكومة قد تمّ حلّ معظمها ويتمّ حلّ ما تبقى منها عن طريق التسويات والتنازلات المتبادلة؟ ألم يكن ممكناً حصول هذه التسويات والتنازلات قبل شهرين أو ثلاثة أو أربعة…؟
ولماذا حصلت كلّ تلك المناوشات حتى لا نقول «الحروب» على وزير بالزائد من هنا أو وزير بالناقص من هناك؟ وعلى هذه الحقيبة أو تلك؟ علماً أنّ كلّ القصة كانت محصورة بثلاث عقد، يعني بثلاثة مقاعد وزارية لا أكثر ولا أقلّ…!
ربما لا يمتلك البعض أجوبة كاملة عن هذه الأسئلة، لكن بالطبع هناك مَن يستطيع تقديم مثل هذه الأجوبة والقول للبنانييين إنّ أسباب التأخير لم تكن كلها داخلية، باعتبار أنّ أيّ شيء لم يتغيّر في الداخل، بل كانت غالبية أسباب التأخير خارجية، وهناك الآن معطيات معينة في الخارج تغيّرت مما سمح بالإفراج عن الحكومة الجديدة.
المهمّ بالنسبة للبنانيّين أنّ حكومتهم ستبصر النور قريباً جداً، وأنّ ما تبقّى من عقبات وعراقيل مقدور عليه في الداخل طالما أنّ فيتوات الخارج قد سقطت أو أُسقطت. وعليه بات الحديث من الآن وصاعداً يتركّز على المهمات التي ستتولى الحكومة الجديدة تنفيذها، لا سيما في الملفات الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة والتي لا تحتمل المزيد من التأجيل والمماطلة، على أمل أن يتجاوز الجميع ما حصل من مناكفات خلال الأشهر الماضية، وأن يعملوا داخل مجلس الوزراء كفريق واحد، لأنّ النجاح هو نجاح للجميع… وكذلك الفشل الذي لا يريده أحد.
طبعاً يعرف اللبنانيون أنّ الحكومة الجديدة لا تستطيع أن تصنع المعجزات، ولن تكون قادرة بين ليلة وضحاها على إيجاد الحلول لكلّ المشاكل التي يعاني منها البلد، لكنها قادرة في الحدّ الأدنى على وضع حدّ لهذا الهريان الذي يتآكل الدولة ومؤسّساتها، وذلك من خلال اتخاذ قرار جدّي وجريء وحاسم بوقف الهدر ومكافحة الفساد، وإخراج هذين العنوانين من بازار الخطب والتصريحات الرنانة إلى حيزّ التطبيق الفعلي والعملي. يعني إذا كان الخروج من الحفرة التي نحن فيها يتطلب الكثير من الجهد والعمل والصبر، فعلى الأقلّ علينا أولاً أن نوقف الحفر حتى لا تتعمّق الحفرة أكثر ويصبح الخروج منها مستحيلاً.
وبعد وقف الحفر لا بدّ من التفكير في الوسائل والمعالجات الكفيلة بردم الحفرة شيئاً فشيئاً، وذلك يكون من خلال وضع خطة شاملة للنهوض الاقتصادي والعودة إلى مسار النمو بوتيرة مقبولة، وإذا قيل إنّ هذه الخطة قد وضعتها شركة «ماكينزي» نقول حسناً… فلتبدأ الحكومة الجديدة على الفور بوضع بنود هذه الخطة موضع التطبيق، خصوصاً أنّ مؤتمر «سيدر» يوفر الأموال اللازمة للانطلاق إلى العمل والإنجاز في ملفات كثيرة وأساسية مثل الكهرباء والنفايات وقطاعات التربية والصحة والدواء والإسكان والبيئة وغيرها…
طبعاً هذه البداية… أما على المدى الطويل فإنّ الحكومة المرتقبة هي حكومة العهد ومن المفترض أن تواكبه طوال السنوات الأربع المقبلة، وأمامها ملفان كبيران جداً عليها التعامل معهما ببُعد نظر وبشكل مدروس ومنظّم، لأنّ كلّ واحد منهما كفيل بأن يشكل الرافعة لنهوض اقتصادنا الوطني، الملف الأوّل هو إعادة إعمار سورية، والثاني هو استخراج النفط والغاز من البحر والبرّ، ويجب أن ننجح في إدارة هذين الملفين رحمة ببلدنا وبأنفسنا وبأجيالنا الطالعة…