اشارت صحيفة "نيويورك تايمز" في مقال نشرته باللغة العربية في سابقة هي الأولى من نوعها بعنوان "رئيس ينبطح أمام امير مجنون - ترامب يتستر على الهمجية السعودية"، الى ان الرؤساء الأميركيين اعتادوا ستر فسادهم وانحراف سلوكهم من حين لآخر، إلا أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك، فهو يستخدم حكومة الولايات المتحدة للتستر على همجية مستبد أجنبي. ولفتت الى ان ترامب ندد في الماضي مرارا وتكرارا بالرئيس باراك أوباما لانحنائه أمام ملك سعودي. إلا أن ترامب اليوم لا ينحني أمام ملك فقط، بل ينبطح أمام أمير مجنون. سبق أن تلاعب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مرارا بترامب وبجارد كوشنر، فهو يعرف ما يحرك الأميركين، وها هو يفعلها مرة أخرى: فترامب آخذ في التستر على ما يبدو أنه قتل تحت التعذيب ارتكبه السعوديون في حق صحافي عالمي.
ولفتت الصحيفة الاميركية الى ان هناك علاقة تربط أربعة على الأقل من القتلة المزعومين بمحمد بن سلمان. فكما كتبت "النيويورك تايمز"، وكما لا يخفى على كل من يعرف المملكة العربية السعودية، فإن اعتداء وقحا كهذا لا يمكن أبدا أن يحدث دون موافقة محمد بن سلمان، ربما لا ينبغي كتابة مقالات رأي في حالة غضب، إلا أن هذه الفظاعة مثيرة للغضب والحزن على حد سواء: إن صحت التقارير، فقد حدث ما حدث جزئيا لأن مسؤولين أميركيين—وآخرين كثيرين في غمرة إقبالهم على ابن سلمان—مكنوا حاكما متهورا وساعدوه في الوصول للسلطة والانفراد بها، وجعلوه يعتقد أنه قد ينجو بأية فعلة كانت. وقد اتخذ ترامب و كوشنر محمد بن سلمان حليفا منذ وقت مبكر، حيث دعوه للعشاء في البيت الأبيض ودعماه في الوصول إلى سدة الحكم. وقد هاجم محمد بن سلمان اليمن مسببا ما اعتبرته الأمم المتحدة أكبر أزمة إنسانية في العالم، وقصف أطفال المدارس وترك ثمانية ملايين يمني على حافة المجاعة، ولم تكن هناك أية عواقب لأفعاله. أثار أزمة مع قطر، ولم تكن هناك أية عواقب. خطف رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، ولم تكن هناك أية عواقب. سجن مدافعات عن حقوق النساء وابتزَّ رجال الأعمال، ولم تكن هناك أية عواقب. اضافت إذا استطاع محمد بن سلمان فعل كل هذا وظل يلقى الاستحسان والتوقير في أميركا، فلا عجب أن يعتقد أن باستطاعته النجاة بتقطيع أوصال صحافي مثير للمشاكل. وإذا لم يواجه أية عواقب جادة هذه المرة أيضا، بعد أن صار يلقب "أبا منشار"، فما الذي سيفعله بعد اليوم؟
واعتبر "نيويورك تايمز" ان "الحقيقة أننا مكنَّا السعوديين من إساءة السلوك لعقود، وشمل ذلك التعليم المتطرف وتمويل الإرهاب الذين ساهما في هجمات الحادي عشر من أيلول. وقفنا نتفرج بينما زرعت السعودية المدارس الدينية المتطرفة في أماكن مثل غرب أفريقيا وباكستان وإندونيسيا، مزعزعة بشدة استقرار مناطق فقيرة في العالم. حققت السعودية تقدما في بعض المجالات، بما فيها تمويل الإرهاب، إلا أنها تظل بلدا مستبدا و متعصبا وكارها للنساء، ويُحكى أن فرانكلن روزوفلت وصف ديكتاتورا في نيكاراجوا بأنه "ابن عاهرة، لكن ابن العاهرة هذا يتبعنا نحن"، وهذه هي الطريقة التي يرى بها بعض الأميركيين محمد بن سلمان. إلا أن ابن سلمان غشَّ الأميركيين. فهو يقول كثيرا من الأشياء الجميلة، لكنه لم يوف بوعده بشراء أسلحة بقيمة 110 مليار دولار، و لم يدعم خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط، ولم يتمكن من طرح شركة البترول السعودية أرامكو للاكتتاب العام. خططه تأتي بنتائج عكسية. فحربه على اليمن خلقت فرصا جديدة لتنظيم القاعدة هناك، ومواجهته مع قطر كانت في مصلحة إيران، وخطفه رئيس وزراء لبنان ترك حزب الله أقوى من أي وقت مضى، وخطفه وقتله خاشقجي المزعومان هدية لأنداد السعودية في تركيا وإيران".
اضافت "باختصار، الأمير المجنون ليس همجيا فقط، بل هو أيضا غير كفء ولا يمكن الاعتماد عليه. فهو لا يخدم مصالحنا؛ بل يضر بها. بالفعل، إحدى مخاوفي أنه سيحاول جرنَّا إلى حرب مع إيران. إلا أنه حتى في الوقت الذي يختبئ فيه المسؤولون السعوديون، صار ترامب دمية للمملكة ومدافعا عنها، قائلا إن "قتلة مارقين" قد يكونون وراء ما يبدو أنه حادثة قتل. أرسل ترامب وزير خارجيته مايك بومبيو في مهمة مشبوهة ليشكر الملك سلمان على التزامه بإجراء تحقيق "شامل" و"شفاف". يتصرف ترامب كأن للسعوديين نفوذا علينا، في حين هم الذين يحتاجوننا ويحتاجون قطع غيارنا لطائراتهم الأميركية الصنع. لم يتمكن السعوديون حتى من هزيمة ميليشيا متمردة في اليمن، لذا فهم يعتمدون علينا في أمنهم —إلا أننا نبدد هذا النفوذ". ورات انه ينبغي على ترامب أن يتوقف عن الاشتراك في عملية التستر. ينبغي عليه أن يدعو إلى تحقيق دولي تدعمه الأمم المتحدة، وإلى إطلاق سراح الإصلاحيين الحقيقيين مثل ناشطة حقوق النساء لُجين الهذلول والمدوِّن رائف بدوي. كما ينبغي عليه أن يبيِّن للعائلة المالكة السعودية أنها إن أرادت دوام العلاقة مع أميركا، فإنها تحتاج إلى ولي عهد جديد، وليس إلى جزار.