من دخل إلى حرم كلية العلوم الإقتصادية وإدارة الأعمال – الفرع الأول في الجامعة اللبنانية يوم الأربعاء الماضي، يشكّ لوهلة أنه داخلٌ لحرم دراسي في لبنان. فبمناسبة ذكرى عاشوراء، أقامت التعبئة التربوية في "حزب الله" وليمة غداء في باحة الكلية، تخلله رفع أعلام الحزب في كل مكان، وانتشار كثيف لصور شهدائه على الجدران، إضافة لصور مؤسس الثورة الإسلامية في إيران السيد روح الله الخميني والمرشد الأعلى السيد علي خامنئي. في حين صدحت الأناشيد الحزبية والدينية في كل مكان.
رغم أن هذه النشاطات تُعتبر خرقاً لتعميم رئاسة الجامعة الصادر عام 2007، والتي أعادت الرئاسة تعميمه عام 2012*، إلا أنها باتت أمراً واقعاً تقوم به مختلف الأحزاب والتيارات السياسية، خصوصاً في مجمع الحدت الجامعي، الذي تخضع كل كلية فيه لحزب معيّن يمارس فيها نشاطاته الحزبية والدينية دون التزام بقرار الرئاسة.
بالعودة إلى نشاط التعبئة التربوية في كلية إدارة الأعمال، فبعد أن أقدم طلاب الحزب على رفع الأعلام والصور وثبتوا مكبرات الصوت، صعد وفد منهم إلى مدير الكلية طالبين منه المشاركة في الوليمة. ووفق مصادر إدارية "طلب المدير منهم حينها تخفيف الشعارات المنتشرة، إذ أنها كانت مبالغة في ذلك اليوم، فقال الطلاب انه فور انتهاء النشاط ستزال كل الشعارات".
انتهى النشاط، إلا أن وعود التعبئة للمدير لم تُنفّذ، وبقيت الشعارات والصور في مكانها حتى مساء الجمعة، حيث قام الطلاب بإزالة كل شعارات الإحتفال. إلى هنا، ما من جديد فالشعارات الحزبية والاحتفالات الدينية باتت جزءاً من الحياة الجامعية في لبنان. لكن المشكلة وقعت حينما بدأ عدد من الطلاب بالتهجم على المدير على مواقع التواصل الإجتماعي، لأنه طالب بإزالة الشعارات الحزبية وصور الشهداء.
إنطلاقاً من ذلك، راح البعض يهدّد المدير بـ"تكسير ايدي وأرجل" من يمسّ الصور، ويصفه بـ"الدمية". وقال أحد الطلاب "من يعتدي على صور الشهداء فاسحقوه"، "حزب الله بيشرفك وبيشرف أسيادك". وبكل فخر استذكر أحد الطلاب حادثة سابقة، حينما تم التهجم على أحد الإداريين، قائلاً: "أذكر من عدة أعوام حينما قال أحد "جهابذة" الإدارة بأنه يريد إزالة المصلى، فكان الجواب له "بدنا نكسرلك إجريك"، واليوم سنقوم بنفس الشيء إذا فكر أحد بإزالة صور شهدائنا".
ظلّ التهديد والوعيد للمدير مستمراً حتى يوم أمس، حينما شكّل طلاب التعبئة وفداً واجتمعوا مع المدير، إلا أن مصادر إدارية تشير إلى أن "الإجتماع لم يكن إيجابياً بما فيه الكفاية، ما دفع المدير للدعوة الى جمعية عمومية للأساتذة في الكلية، صدر على أثرها بياناً علّقوا فيه الدروس وطالبوا إدارة الجامعة بمنع دخول أي كان إلى حرم الجامعة، خصوصاً أولئك الذين هدّدوا وهم أصلاً ليسوا طلاباً في الكلية بل من الطلاب السابقين الّذّين أنهوا دراستهم وتخرّجوا".
يرفض مدير الكلية الدكتور سعيد حسين الرد إلتزاماً منه بقرارات الجامعة، معتبراً أن "الموضوع قد تم حلّه وان المسببين لهذا الإشكال هم محض أطفال"، إلا أن المصادر الإدارية تؤكد أنه "سيتم محاسبة كل من شارك في حملة التهديدات وستكون العقوبات قاسية".
العمل الحزبي في الجامعات هدفه تنشئة الشباب على الإختلاط مع باقي الأفرقاء في الوطن، وتحضير من يفترض أن يكونوا "جيل المستقبل" لبناء وطن. لكن أي وطن سيبنى، في ظل الإشكالات الطلابية الحاصلة في كل جامعات لبنان؟ وإلى متى سيبقى تعميم الجامعة حبراً على ورق لا يتم تنفيذه؟ وهل بات في لبنان مقدّسات يُكفّر كل من يمس بها؟.
* التعميم ينص على أنه "حرصاً على حسن سير الدراسة وكل الأعمال الجامعية، يُمنع رفع اللافتات والشعارات الحزبية وتعليق الملصقات داخل مباني الجامعة اللبنانية كافة".