القصة ليست قلّة احترام لمن قتله آل سعود بما بقي عندهم من دم بارد. القصة ليست تمرّداً على المشهد العام المنقسم بين تمنيات بأن «يضرب الله الظالمين بالظالمين» انتقاماً لقهرهم شعوب الأرض، وبين وقائع تقول بأن أهل الجريمة، وإن اختلفوا، فذلك على طريقة القيام بالقتل فقط. كاد دونالد ترامب أن يقول لآل سعود: ما هكذا تكون عمليات التخلّص من المعارضين... كان يمكن أن تكونوا أقل غباءً وأكثر فطنة في التستّر على فعلتكم!
أما السلطان أردوغان، فيريد إدخالنا في لعبة أحجية تخفي كلمات سر تخصّ مصالح دولته وحكمه وديكتاتوريته وجرائمه بحق معارضيه، والصحافيين منهم على وجه الخصوص. لعبة تؤدي الوظيفة ذاتها، أي إسكاتهم بألف طريقة، وإيذاءهم بما يثبت القول إنّ الصمت أشد إيلاماً من القتل!
في أوروبا الغارقة في كهولةٍ تأتي على كل شيء فيها، يرتفع الصوت «احتراماً» لمزاج عام لا أكثر. لكن الجمهور نفسه صار يريد الدولارات والأعمال، ولا يأبه كيف السبيل إلى ذلك. أليست فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا هم أهل الاستعمار الأصليين؟ ألم تُبنَ المدن الساحرة في هذه الدول على أكتاف المقهورين، وبخيرات المستعمرات القريبة والبعيدة؟
ولأن الحكاية الأصلية هي حكايتنا نحن. حكاية القهر التي تُمثّل الظلم بعينه والقتل بعينه، فلا شيء مهما كبر أو جرى تكبيره، ومهما أُبرز أو تمّ تلميعه، يحجب الشمس عن فلسطين. أليست هي أم البدايات وأم النهايات؟
لو اهتم العالم بفلسطين، ونطق وكتب وغرّد وعلّق بعُشر ما قام به خلال الأسابيع الثلاثة، لكان العدو المجبول بفكرة القتل تراجع قليلاً. لَكان أنين الناس خفّ ولو قليلاً، لكان المحاربون أخذوا استراحة قبل استئناف أكبر وأطول عملية تحرّر وطني في تاريخنا المعاصر...
لكن، اللسان الوحيد الذي ينطق والصوت الوحيد الذي يرفع اسم فلسطين وعلمها ولفظها، يأتي من أهل الأرض نفسها، من الشباب الذين يمتهنون الاستشهاد جيلاً بعد جيل!
لا صوت يعلو فوق صوت فلسطين.