كانت تحلم عهد باسم التميمي، بأنْ تعيش طفولتها بسلام، لكن الإحتلال الإسرائيلي الجاثم على الأنفاس، جعلها تكبر بسرعة.
ولدت عهد في قرية النبي صالح - غربي رام الله في الضفة الغربية المحتلة، في 31 كانون الثاني 2001، من أبوين مناضلين، هما أبناء العمومة باسم وناريمان التميمي، اللذين رُزِقَا بـ4 أولاد: 3 ذكور وأنثى واحدة، وهي الثانية بين أشقائها: وعد، محمد وسلام.
منذ نعومة أظفارها، لفتت الأنظار بجرأتها وشجاعتها بالتصدّي لجنود الإحتلال، وركلهم والصراخ في وجوههم، غير آبهة بأنّهم مدجّجون بأحدث الأسلحة الحربية.
الطفلة ذات الشعر الذهبي المجعّد، والعينين الزرقاوين، امتازت بشجاعتها وقوّتها وذكائها، فأصبحت صورها محط اهتمام مختلف وسائل الإعلام، تتناقلها وتضج بها التلفزيونات والصحف ووسائل التواصل الإجتماعي.
كان التحوّل لدى عهد، حين منعتْ مع والدتها ناريمان وإبنة عمّها نور ناجي التميمي، يوم الجمعة في 15 كانون الأول 2017، قوّة للإحتلال الإسرائيلي من الدخول إلى منزلهم، وصفعت ضابطاً برتبة نقيب ورقيب من "لواء غولاني"، لتصبح "صفعة عهد" ردّاً طبيعياً على "صفعة ترامب".
لم تتمكّن قوّة الإحتلال من اعتقالها، بل احتاجت إلى قوّة أكبر بمداهمة منزل العائلة، مع ساعات فجر الثلاثاء (19 منه)، قبل أنْ تُعتقل والدتها ناريمان التي ذهبت لتبحث عنها، ثم تُعتقل إبنة عمّها نور.
ضجَّ العالم لجرأة عهد، وإدانة لاعتقال الإحتلال للعائلة، فأصبح إسمها على كل لسان، نموذجاً للبطولة ورمزاً للعزّة والإباء.
بدأ الإحتلال رحلة المحاكمة في "محكمة سجن عوفر" الإسرائيلية، المُقامة على أراضي بلدة بيتونيا في الضفة الغربية، بقضاء عسكري منحاز، حيث يمارس العنصرية بشكل واضح، فيُحاكم الفلسطينيون في محاكم عسكرية إسرائيلية واليهود في محاكم مدنية، وتشدّد الإجراءات والأحكام والعقوبات ضد الفلسطينيين، بينما تمر غالبية الاعتداءات التي يرتكبونها ضد الفلسطينيين دون عقاب.
استطاعت عهد كسر جبروت الإحتلال، فأصبحت نموذجاً في الدفاع عن الحق ومواجهة المحتل الغاصب، فهي "أيقونة النضال الفلسطيني"، بصمودها وتحديها للإحتلال والتصدّي له في قريتها النبي صالح، وخلال جلسات التحقيق وفي المحكمة، فحقّقت انتصاراً للشعب الفلسطيني والأحرار في العالم، وهو ما كرّسته وأثبتته بعد إطلاق سراحها.
وأضحى إسم عهد على كل شفة ولسان، فنالت العديد من الجوائز الفلسطينية، العربية والدولية، واختيرت سفيرة لدى أكثر من منظّمة دولية.
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن اختيار عهد عضو شرف في المجلس الوطني الفلسطيني، وذلك في ختام أعمال دورته التي عُقِدَتْ في رام الله بين 30 نيسان و4 أيار 2018.
قضت عهد 222 يوماً في زنازين الإحتلال، مارس خلالها شتى أنواع الضغوطات، فيما هي لاذت بصمت مطبق أمام المحقّقين وفي المحكمة، وقابلتها بإطلاق ابتسامة أغاظت الضبّاط العسكريين، واختصرت وصفها المحاكمة بأنّها "غير شرعية".
أفرج الإحتلال عن عهد ووالدتها ناريمان، صباح يوم الأحد في 29 تموز 2018، عند مدخل قريتهما النبي صالح، بعدما تعمّد التشويش على ذلك، بتبديل المكان المحدّد لإطلاق سراحهما، للحؤول دون تغطية إعلامية للحظة الإفراج الأولى.
تدرك عهد حجم الآمال المعقودة عليها، وهي التي تحملت السجن وآلامه، تتعرض اليوم لمحاولات من البعض لتشويه صورتها.
"اللـواء" قصدت منزل المناضل باسم التميمي في قرية النبي صالح - غربي رام الله في الضفة الغربية المحتلة، والتقت عهد واستمعت إلى رحلتها خلال جلسة مطولة، قدمت خلالها لنا "الكوفية" الفلسطينية..
ردّ فعل طبيعي
لدى الوصول إلى مدخل قرية النبي صالح، تطالعك صورة ضخمة للمناضلة عهد التميمي، مع جملتها التي اشتهرت بها بالقول للإحتلال: "انكلع (إنقلع) من هون"، وتستدل مباشرة إلى منزل والدها المناضل باسم التميمي، فهو أحد معالم البلدة، الذي يعج بالمتضامنين، حيث خصّص الوالد إحدى غرف المنزل كمضافة جمع فيها العديد من الصور، التي توثّق نضال العائلة ودروع التنويه والتكريم.
في ساحة المنزل، التي شهدت اللحظة التاريخية، بصفع ضابط وجندي صهيونيين، من "لواء غولاني" بمساعدة إبنة عمّها نور، والتي وثّقتها الوالدة ناريمان، ببثّها مباشرة عبر صفحتها على "الفايسبوك"، يلفت انتباهك منطاد مزوّد بكاميرات تصوير، أطلقه الإحتلال في سماء مستوطنة "حلميش"، المُقامة على أرض مسلوبة من أهالي البلدة، يوثّق فيها ما يجري بكافة التفاصيل.
وفي الحديث مع المناضلة عهد، رفضت محاولات تصويرها، وكأنّها ارتكبت خطأ حتى تندم عليه، بإقدامها على صفع الضابط والجندي، مؤكدة أنّ "ذلك ردّ فعل طبيعي على وجود الجندي في بيتي، يُطلِق النار على أهلي وأهل بلدي، ويحاول القتل العمد لإبن عمّي محمّد، في محاولة لإعدامه، ما تسبّب بإصابته بشكل مباشر في رأسه، ولو تكرّر الأمر، حُكماً سأقوم بذلك، واقتصر الأمر بالنسبة لي على صفعه، لكن هناك أناس قد يقتلونه".
وعن الاعتقال قالت عهد: "داهمت قوّة كبيرة من الإحتلال الإسرائيلي، منزلنا عند الساعة 3 من فجر يوم الثلاثاء في 19 كانون الأوّل/ديسمبر 2017، واعتقلوني، وخلال ذلك كانوا يقومون بالتصوير، فأخذتُ أصرخ بوجههم، ثم قيّدوا يدَي، وأغمضوا عيني، وأصعدوني إلى جيب، وكان الطقس بارداً جدّاً، وكانت المجنّدة تشدني
من شعري، وتُنزِل رأسي إلى الأسفل حتى لا أشاهد أي شيء، وتعاملني بعنصرية، وتقوم طوال الوقت، بشتمي، قبل أخذي إلى مركز التحقيق في بنيمين، حيث أبقوني حتى الساعة 12 ظهراً، وحقّقوا معي خلال ذلك على مدى 6 ساعات، ولم يتركوا سؤالاً إلا وطرحوه عليّ، لكن لم أعترف، ولم أُجِب على أي سؤال، بل التزمتُ الصمت، ودخل شرطي إسرائيلي وتوجّه إليّ قائلاً: "تميمي أنا رح خليكي تعفّني بالسجون، وخلّي الجنود يضربوكي"، وكان يصرخ، ولم يسمح لي بالنوم، فعلى الرغم من أنّهم يضعون "الكلبشات" في يدي ورجلي، كنت كلّما أحاول أنْ أُغمِض عيني تدخل المجنّدة، وتصرخ بوجهي حتى لا أنام، وتمنعني من أنْ أحرك رجلي، حتى لا يصدر أي صوت، فكنتُ طوال الوقت.. صاحية".
وأردفت: "بعد التحقيق نقلوني إلى "سجن هشارون"، وأدخلوني إلى قسم النساء، وكان معي في الغرفة الأسيرات: ملك سلمان، هدية عرينات، إيمان علي وملاك الغليظ، اللواتي ساعدنني واهتممن بي بشكل كبير، فأعطوني ملابسي، ودفأنني وتحدثن إليّ، وأفهمنني الكثير من الأمور عن السجن، بعدها بيوم أخذوني إلى "محكمة عوفر العسكرية"، وكانت الجلسة الأولى من المحاكمة، فتسلّحتُ بالصمت قبل أنْ يتواصل التحقيق من قِبل محقّقين رجال، حيث لم تكن معي طوال التحقيق مجنّدة، ولا أحد من أهلي، ولا حتى المحامي، على الرغم من أنّني قاصر، والمفروض أنْ يكون معي المحامي، وقد تعرضت لانتهاك وتحرّش لفظي، كما كانوا يهدّدوني بعائلتي، وذكر أسماء عدد منهم مثل: أسامة، وعد، جنى، مرح، بيسان ومروان، قائلاً: إذا لم تعترفي سوف أحضر عائلتك وسوف يكونون مكلبشين مثلك".
كشف تنصت الإحتلال
ومضت قائلة: "في آخر تحقيق نقلوني إلى "المسكوبية"، ومن ثم إلى "الرملة" من الثانية عشرة بعد منتصف الليل حتى الثانية ظهراً، بعدها انتهت فترة التحقيق، التي استمرّت 12 يوماً، توزّعت على 6 جولات، كانت تبدأ عند الساعة 2:30 فجراً حتى 12 ليلاً، وفي آخر يومين بقيت 36 ساعة من دون نوم مقيّدة اليدين والرجلين، وطوال جلسات التحقيق، لم أكن أتحدّث بأي شيء، بل كنتُ ألتزم الصمت، وكانت كاميرات المراقبة مزروعة داخل الزنازين والحمّامات، وبعد 12 يوماً من التحقيق أخذوني عند 2.30، وأعادوني فجر اليوم الثاني، وبعد إحدى جلسات التحقيق تعمّدوا وضعي مع أمي وإبنة عمّي نور في زنزانة واحدة، وكان الهدف التنصّت على محادثاتنا لانتزاع اعتراف منّا، لكنّنا خلال فترة التحقيق لم نكن نتحدّث مع بعضنا البعض بقضايانا الخاصة، بل بأحاديث عامّة، وفي الليل وأثناء وجودي في التحقيق، أخرجوا نور من الغرفة، وقاموا بوضع جهاز تنصّت قبل إعادتها، وإحضار والدتي قبل وصولي إلى التحقيق، ووجدنا جهاز تنصّت، لُصِقَ بأسفل الكرسي، فألّفنا أغنية للمحقّق تحدّثنا فيها: "عم تحاول تخلّينا نحكي، روح انصرف، ما قلناش إشي، نحن مش حاكين، فشرتوا نعترف، فشرتوا نحكي شي"، وعندما علم مسؤولو السجن باكتشافنا للجهاز، اقتحموا الغرفة، وضربونا بالحائط وأخذوه بسرعة، فيما كان يردّد الضابط "عسل عسل" ونرد عليه جرابات، جرابات".
وأشارت إلى أنّه "خلال جلسات المحاكمة التي استمرّت حوالى 4 أشهر، كان يتم الاعتماد على إطالة رحلة النقل من "سجن هشارون" إلى "محكمة عوفر" بواسطة "البوسطة"، التي يُعاني فيها الأسير الكثير، فهو مقيّد
اليدين والرجلين، و"البوسطات" من مقاعد حديدية، يزيد برودتها طقس الشتاء القارص، خاصة أنّ الرحلة تبدأ الثانية والنصف فجراً، وتنتهي بعد انتهاء كافة المحاكمات، حيث تتم إعادتنا إلى السجن قرابة الثانية ليلاً، وأثناء انتظار جلسات المحاكمة كنّا نوضع داخل زنزانة، وهذه الزنزانة أفضل وصف لها ما كان حفرها شباب بـ"كلبشاتهم" على جدرانها بأنّها "ثلاجة الموت"، نظراً إلى برودتها القارصة، وبعد انتهاء رحلة المعاناة، والعودة إلى السجن كانت عظامي تؤلمني من البرد، وكنتُ أبقى لمدّة أسبوع لا أستطيع الحراك، وأحياناً كانوا يتعمّدون إنزالي خلال هذا الأسبوع إلى المحكمة أكثر من مرّة، فيزيد الألم".
ولفتت إلى أنّه "كانت والدتي في السجن ذاته، ونفس القسم، لكنّنا لم نكن في الغرفة ذاتها، بل كنّا نلتقي خلال الفرصة من العاشرة والنصف صباحاً حتى الواحدة ظهراً، ومن الثانية والنصف ظهراً حتى الخامسة بعد الظهر، باستثناء محاولة وضعنا معاً من أجل انتزاع اعتراف، حيث تعمّدت إدارة السجن ممارسة ضغط نفسي على الأسرى، فهم بعيدون عن أهاليهم، ويفكّرون بمَنْ هو في الخارج، وكنتُ أسمع أكثر من مرّة أخباراً عن مواجهات في قريتي النبي صالح، وإصابة شبان فكنت أجن، وأقول: يمكن شقيقي أو إبن عمّي، أو أحد أقاربي، وكل أهالي القرية هم أهلي وأقاربي، وأصعب خبر في السجن كان اعتقال شقيقي وعد في 10 أيّار 2018، واستشهاد إبن عمّي عز الدين في 6 حزيران 2018".
واستدركت عهد: "أما عن الخبر الذي أدخل سروراً إلى نفسي وأنا في الأسر، فكان نجاح زميلاتي وإبنة عمّي بشهادة التوجيه، وكذلك احتفالهن بعيد ميلادي (31 كانون الثاني) وأنا في السجن، فشعرت بأنّ هناك مَنْ
يتذكّرني".
وشدّدت على أنّه "خلال السجن تابعنا الدراسة، وكنّا 9 أسيرات من بين 29 في السجن، وكانت الغرفة التي ندرس فيها صغيرة جداً، وتعرّضنا فيها لمحاولات تضييق من قِبل إدارة السجن لمنعنا من التعلّم وإقفال الصف، لكن على الرغم من ذلك بقينا مصرّات على مواصلة التعلّم في الصف الذي أطلقنا عليه إسم "فوج التحدّي"، لأنّنا تحدينا إدارة السجن، وأنفسنا، وقدّمنا شهادة التوجيه والقانون الدولي والإنساني بإشراف الأسيرة خالدة جرار".
وبيّنت أنّ "غرف السجن كانت صغيرة جداً، ومن دون تهوئة، وتوضع فيها سجينات أكثر من العدد المقرّر مما تتّسع له، فالغرفة كانت مخصّصة لشخصين، لكنهم يضعون فيها أكثر من 7 أشخاص، ما يؤثّر على إمكانية النوم".
تجربة السجن صعبة
وأكدت عهد أنّ "تجربة السجن صعبة جداً، وعلى الرغم من قصر المدّة، إلا أنّ الدخول إلى السجن أصعب من الخروج منه، فقد مررتُ بكثير من الأحداث منذ اعتقالي وحتى الإفراج عني، وما بينهما من اعتقال وتحقيق وسجن، مارس خلالها الإحتلال شتى أنواع الترهيب، والمحاكمة، ومنع أهلي من زيارتي، حيث لم نلتقِ بوالدي طوال هذه الفترة، إلا في المحكمة، ولم يسمح له بزيارتي في السجن إلا مرّتين".
واعتبرت أنّ "الأسيرات أصبحن أخواتي، فكنا 24 ساعة مع بعضنا البعض، نأكل ونشرب وندرس معاً،
وهناك أسيرات أحكامهن عالية جداً مثل: شروق دوبير (16 سنة)، وأخريات، لذا هناك حرقة تنغّص فرحة الخروج من السجن، وهي ترك أخواتي الأسيرات بداخله، لأنّني أعرف كل التفاصيل التي يعيشونها، وأعلم أنّهن قويات، لكن لدى الإنسان مشاعر، ويحزن في كثير من الأحيان، وهن يشتقن إلى رؤية أهاليهن، وينتظرن ما بين الزيارة والأخرى، فالمقرّر هو مرتان في الشهر ولمدّة 45 دقيقة، لكن إدارة السجن تحرمهن أحياناً منها، ومع ذلك هن قويات جداً وصامدات، ولما غادرتُ السجن، حاولتُ أنْ أوصل رسالة الأسرى والأسيرات إلى الجميع، وهي الوحدة الوطنية، ودعم ومساندة الأسرى بنضالهم من أجل الحرية وتعزيز الصمود الشعبي".
وشدّدت على أنّ "هذه التجربة أضافت قيمة إلى حياتي وغيّرتني، حيث قرّرتُ أنْ أدرس القانون كي أصبح محامية من أجل الربط بين النضال الوطني والنضال الاجتماعي، لأنّنا نريد التحرّر من الإحتلال بمجتمع عادل، وأنْ يكون من أفضل المجتمعات، وفيه مساواة وتقدير للمرأة، لأنّها شريك بالنضال، والعمل على عزل ومقاطعة الإحتلال وملاحقته كمجرم حرب في المحاكم الدولية، وأُعيد الحق إلى بلادي".
وتوجّهت إلى كل من وقف وتضامن معها ومع أهلها قائلة: "شكراً، وهذا رفع لي معنوياتي، وجعلني دائماً أقوى، وأقوى بكم، وأتمنّى أنْ يبقى هذا الدعم لباقي الأسرى والأسيرات داخل سجون الإحتلال، وكذلك هناك قضايا بحاجة إلى دعم، كالجرحى والمرضى والمحكومين بأحكام عالية، وأنْ يؤمّن لهم ضغط سياسي، كما كان في قضيتي، لأنّهم بحاجة للوقوف إلى جانبهم ومعهم".
وتابعت: "لقد تغيّرت حياتي كثيراً، كما أنا تغيّرت، لأنّ السجن يجعل الإنسان يكبر بسرعة، وما يكبره
الإنسان في يوم في حياته العادية، فإنّه في السجن يكون 100 سنة، فقد أصبحتُ أكثر تركيزاً ووعياً".
وأعربت عهد عن فخرها بـ"أنّني أصبحت "أيقونة فلسطين"، وأتمنّى أنْ أوصل الرسالة إلى كل العالم، وقضية الأسرى وكافة القضايا الفلسطينية، ففرحة خروجي من السجن كانت ناقصة، لأنّ إخواني الأسرى ما زالوا في السجون، وأتمنّى الحرية لهم، وآمل أنْ أكون على قدر المسؤولية، والتضامن الذي أبداه أبناء شعبي الفلسطيني، وأحرار العالم، وأنْ أتمكّن من نقل قضية أبناء شعبي وإسماع صوته إلى العالم، لأنّ المسؤولية كبيرة بأنْ أكون رمزاً من رموز الشعب الفلسطيني".
رفض الرواية الإسرائيلية
ورفضت عهد الرواية الإسرائيلية، التي تهدف إلى تشويه صورتها وعائلتها، بأنّهم يستغلونها ويدفعون بها وبإخوتها، من أجل القيام باستفزاز الجنود، فأكدت بكل ثقة بالنفس وحزم وصلابة: "أنا لستُ صغيرة، بل أعرف الصح من الخطأ، وأقول لمَنْ يُحاول تشويه صورتي، إنّ أهلي لا يستغلونني، بل يقولون لي بصراحة ووضوح: "إذا كنتِ لا تستطيعين الاستمرار في هذه الطريق، فتوقفي، وأنتِ لستِ مضطرة إلى ذلك"، لكن قراري هو استمرار النضال من أجل أهلي وناسي وأبناء شعبي وقضيتي".
ولفتت إلى أنّ "الإحتلال مارس عنصريته حتى في لحظة الإفراج عنّي وعن والدتي، ففجر يوم الأحد في 29 تموز 2018 جرى نقلنا من سجون "هشارون"، ووضعتُ ووالدتي مكبلتي الأيدي والأرجل ومغمضتي الأعين، وعادة يتم إنزال المُفرَج عنهم على "حاجز جبارة" - جنوب طولكرم - لكن أبلغوا أهلي بأنّه سيتم
الإفراج عنّا على "حاجز رنتيس" - غرب رام الله، وفي كل مرّة كان يتم إبلاغهم بتغيير المكان، ما أدّى إلى إرباكهم 4 مرّات، وفي كل مرّة كانوا يحتاجون إلى ساعة، بعدما يكونون قد وصلوا إلى منتصف الطريق، وأُفرِجَ عنّا عند مدخل قرية النبي صالح، وكانت يداي ورجلاي "مكلبشتين" بالبلاستيك، ما أدّى إلى تورّمهما لأيام عدّة".
وكشفت عهد عن أنّ "السوارين اللذين كانت تضعهما حول معصمها لحظة خروجها من المعتقل:
- الأول: مصنوع من الخرز الملوّن، وهو علم فلسطين.
- والثاني: كُتب عليه إسم شقيقي وعد، الذي ما زال معتقلاً.
والسوار الأوّل كان هدية من ممثّلة المعتقل الذي كنتُ فيه، ويحمل رسالة إلى العالم كلّه بأنّه حتى لو بقينا نحن النساء في السجن، فإنّنا لن ننسى وطننا".
وتمنّت أنْ "تنجح المصالحة الفلسطينية الداخلية، لأنّها ستكون أوّل خطوة على طريق تحرير فلسطين".
وأوضحت عهد أنّ "أوّل ما فعلته بعد خروجها من السجن كان ذهابي إلى محل لبيع البوظة، لأنّني اشتقت إليها، ولم أتناولها منذ اعتقالي قبل 8 أشهر".
وختمت عهد التميمي: "رسالتي إلى أهلي في لبنان: شكراً كثيراً، وأتمنّى أنْ أزور لبنان، بما في ذلك المخيّمات الفلسطينية قريباً، وألتقي بالجميع لشكرهم، فقد زرتُ لبنان سابقاً مرّتين، وأحببته كثيراً، وإن شاء الله سأزوره مجدّداً".