أفادت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن "الزخم الذي نالته قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد مقتله في القنصلية السعودية بإسطنبول يعود جزئيا إلى رمزية اللحظة"، معتبرةً أن "مقتل خاشقجي الذي يرفض صفة المعارض لبلاده رغم اختلافه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يمكن أن يعتبر هجوما جديدا للقوى المضادة للثورات العربية، ودليلا على النشوة العارمة بالإفلات من العقاب الذي يخامر دكتاتوريي الشرق الأوسط".
ورأت الصحيفة أن "احتقار الرئيس الأميركي دونالد ترمب لحقوق الإنسان والتعددية يشجع ميول الأنظمة السلطوية على القمع، رغم أنه ظاهرة عالمية إلى حد ما ومع ذلك، فإن عملية إسطنبول ذات خصوصية شرق أوسطية مميزة، لأن خاشقجي بميوله الإسلامية وتمسكه بالتعددية السياسية ورفضه الأنظمة البوليسية، كان في تناغم مع كثير من شباب الربيع العربي الذي دافع عنه في كتاباته غير عابئ بشعور المؤسسة السعودية الخائفة من عدوى الربيع العربي".
ولفتت إلى انه "رغم أن خاشقجي يناصر الإسلام السياسي منذ مشاركته في تغطية أخبار الجهاد في أفغانستان، فإنه لا ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بل إنه ربما انتقدها بشدة وحمّل فرعها المصري مسؤولية عودة النظام القديم إلى حكم بلاد النيل، لذلك لا غرابة في التجمهر الذي وقع أمام القنصلية السعودية في إسطنبول بُعيد مقتل الصحفي السعودي وحضور وجه الربيع العربي باليمن المناضلة الحائزة على جائزة نوبل توكل كرمان، فخاشقجي هو آخر ضحايا "الربيع العربي" وقد حرر منفى خاشقجي المؤلم من الناحية الشخصية قلمه وفكره، إذ بدأ -إلى جانب مقالاته لواشنطن بوست- بإنشاء مؤسسة مناصرة للديمقراطية في العالم العربي".
وأشارت الصحيفة إلى أن "ما سربه الأتراك عن التعذيب الذي تعرض له خاشقجي وقطع أصابعه يذكر بما حدث لرسام الكاريكاتير السوري علي فرزات الذي تركه النظام السوري ينزف بعد تكسير أصابعه، ولا شك في أن اختفاء خاشقجي بسبب لا منطقية الدولة في العالم العربي يذكر بما وقع للطالب الإيطالي جوليو ريجيني من خطف واغتيال في مصر عام 2016 واليوم يتمنى جيل من الشباب العربي أن يكون مقتل هذا الصحفي القشة التي قصمت ظهر البعير، وأن يتحقق على أثره كل ما كان يتمناه خاشقجي في حياته، رغم أن صيحته لم تكن الشعب يريد إسقاط النظام التي دوت في الساحات العربية عام 2011، بل كانت دون ذلك بكثير، عندما لخصها في أول مقال له بصحيفة واشنطن بوست قائلا "نستحق ما هو أفضل".
وأضافت: "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان محاط بنوعين من المستشارين، بعضهم يمثل القوة الناعمة التي تسوق أفكاره ورؤيته الإصلاحية وآخرون يمثلون القوة الباطشة"، واصفة ثلاثة منهم بأنهم أبالسة.
ووصفت الصحيفة النوع الأول من المستشارين بـ"العقول الكبيرة وعلى النقيض، نجد أصحاب اليد الطولى، وهم من الملازمين له من عديمي الضمير، والمرتبطين بأجهزة المخابرات، الذين عهد إليهم الأمير بمراقبة الإعلام الداخلي وملاحقة المعارضين، وهم سعود القحطاني مستشار العلاقات العامة لولي العهد، وتركي آل الشيخ وزير الرياضة، وتركي الدخيل مدير القناة العربية، وهم ثلاثة من ثقات الثقات الذين نجدهم في الصف الأول بقضية خاشقجي وعندما أقرت الرياض بمقتل الصحفي في قنصلية بلاده بإسطنبول بعد إنكارها، تم إعفاء القحطاني من مهامه، فقد انتهى به الأمر إلى أن أصبح أكثر قوة، مع تأثيرات ضارة، وفقا لتصريحات أحد المقربين من العائلة المالكة اعتبر أن إعفاءه القحطاني أمر جيد".
ورأت أن "هذا الإعفاء ما هو إلا مجرد عقاب صوري، فقد احتفظ القحطاني بمنصبه السابق كرئيس للاتحاد السعودي للأمن السيبراني الذي سيسمح له بمواصلة العمل على الإنترنت، أما تركي آل الشيخ فأساليبه ليست أكثر نعومة، فبعد أكثر من عام بقليل في منصبه كوزير للرياضة، أثار الذعر في عالم كرة القدم، وضاعف المبادرات الفوضوية والتصريحات غير المدروسة".
وبيّنت لوموند أنه "بموازاة واجباته الرسمية، فإن آل الشيخ ولا يتوانى عن إظهار عضلاته مثل القحطاني"، مشيرة إلى أن "خاشقجي كان يصفهم بالبلطجية وإلى جانب هذين الرجلين، يوجد الدخيل الذي يوصف بأنه جندي جيّد لمحمد بن سلمان، وقد حوّل الرجل قناة العربية إلى آلة دعاية ضد قطر، ويعمل الدخيل وفريقه على دعم القحطاني في حملة القمع".