حين ولدت حكومة تصريف الأعمال الحالية في شهر كانون الأول 2016 ونالت ثقة مجلس النواب السابق، قالت عن نفسها في بيانها الوزاري إنها «حكومة استعادة الثقة».
وإذا أردنا أن نكون منصفين نقول إنّ هذه الحكومة حاولت جاهدة أن تحقق شعارها، واستطاعت إنجاز بعض الأمور التي عجزت عنها حكومات سابقة، غير أنّ جلّ هذه الإنجازات أتت مجتزأة ومنتقصة، ولعلّ أبرز مثال على ذلك موازنتي العامين 2017 و 2018 اللتين أقرّهما مجلس النواب من دون قطع الحساب للسنوات السابقة، على وعد أن يتمّ حلّ هذه الإشكالية مع إقرار موازنة العام 2019 التي تأخرت عن موعدها الدستوري، لأنّ الحكومة الجديدة لم تبصر النور بعد… وهي التي من المفترض أن تعدّ الموازنة الجديدة.
كذلك أنجزت الحكومة الحالية سلسلة تعيينات إدارية وأمنية وعسكرية وتشكيلات دبلوماسية وقضائية… أما الإنجاز الأهمّ فهو قانون الانتخاب الذي اعتُمد فيه نظام الاقتراع النسبي للمرة الأولى في لبنان، رغم أنه بحاجة إلى بعض التعديل والتطوير لا سيما لجهة توسيع الدوائر الانتخابية للتخفيف قدر الإمكان من التأثيرات الطائفية والمذهبية، وصولاً إلى إلغاء الطائفية واعتماد الدائرة الوطنية الواحدة على مستوى كلّ لبنان.
هذه الأمور تعتبر إنجازات حقيقية في بلد مثل لبنان، لكن الحكومة لم تستطع تسويق إنجازاتها والتغنّي بها، لأنها كانت تواجه باستمرار أزمات من داخلها ومناكفات بين مكوّناتها الحزبية والسياسية، وما كانت تحلّ مشكلة حتى تظهر مشكلة أخرى أو أكثر، أحياناً حول مسائل سياسية، وهذه مقدور عليها ومتوقعة بين أفرقاء متباعدين في الخيارات المحلية والعربية والإقليمية وصولاً إلى اصطفاف كلّ فريق في محور عالمي مناهض للآخر. ولكن حين تطال المناكفات والخلافات شأناً إنمائياً أو اقتصادياً فإنّ الإنجاز يتعطّل ويتعرقل، كما حصل في ملفي الكهرباء والنفايات على سبيل المثال لا الحصر.
وبما أنّ الأفرقاء السياسيين الذين ضمّتهم الحكومة الحالية هم أنفسهم الذين ستتشكّل منهم الحكومة الجديدة، مع بعض الفوارق البسيطة، فإنّ الخشية هي من تكرار الخلافات والمناكفات التي ستعيق تحقيق الإنجازات الموعوة على أكثر من صعيد، وتحديداً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية.
ولذلك… قبل الاهتمام بالحصص والأحجام والأوزان، لا بدّ من تجديد العمل بشعار «استعادة الثقة» ليكون شعار الحكومة الجديدة أيضاً، خاصة أنّ منسوب الثقة بالأفرقاء السياسيين انخفض كثيراً لدى مجموع المواطنين، لأنّ الشعور العام السائد بعد ستة أشهر من الانتخابات النيابية هو أنّ هؤلاء الأفرقاء لم يكونوا أوفياء لأصوات الناخبين الذين عبّروا عن إرادتهم وأوصلوا مَن أوصلوا من نواب لكي ينوبوا عنهم ويحققوا إرادتهم في تطوير البلد وتحسين أوضاعه وتوفير مستقبل أفضل لأجياله الطالعة، وليس من أجل أن تزيد حصة هذا الفريق أو تنقص حصة ذاك…!
على أنّ الأمل يبقى كبيراً جداً بحكمة ودراية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي نثق بأنه لن يسمح على الإطلاق بتضييع الفرصة الإصلاحية التي مثلها انتخابه رئيساً قبل عامين، بل سيدفع بكلّ قوّة باتجاه إعطاء الزخم للحكومة الجديدة المنتظرة بين يوم وآخر، لكي تكون كما يريدها فعلاً لا قولاً حكومة العهد الأولى…
أمين عام منبر الوحدة الوطنية