لم تكن زيارةُ بنيامين نتنياهو لسلطنة عمان هي الزيارة الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي الى هذا البلد. ما يميّزها ربما هو أنها الزيارة العلنية الأولى. ففي العام 1994 سافر رئيسُ الحكومة الاسرائيلية إسحق رابين الى سلطنة عمان وبعد عام وصلها شيمون بيريز الذي كان يشغل منصبَ رئاسة الوزراء بالوكالة بعد اغتيال رابين.
كذلك حُكي عن زيارة قام بها وزير الدولة العُماني للشؤون الخارجية يوسف بن علوي في العام 1996 الى القدس حيث تمّ التفاهم على انشاء مكتبين تمثيليّين تجاريَين بين البلدين افتتحه بيريز رسمياً في مسقط قبل أن يُغلق مجدداً في العام 2000 وتحديداً بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
إغلاق المكتب لم يكن يعني بطبيعة الحال قطع العلاقات بين البلدين والتي يُحكى انها استمرّت قوية ولكن ضمن قنواتٍ سرّية.
الملاحظ في كل ما سبق أنّ الدفع بالعلاقة تزامن مع مشاريع التسويات السلمية التي تولّاها والتزم بها اسحق رابين قبل أن يُقتل برصاص إسرائيلي وبتغطية ربما من مؤسسات إسرائيلية.
وأُعيد طمسُ هذه العلاقة بعد انهيار آخر ركائز حقبة التسويات مع عودة أرييل شارون واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية ورحيل الرئيس السوري حافظ الأسد وملك الأردن. وانطلاقاً ممّا سبق لا بدّ من إدراج العلاقة العلنية المتجدّدة بين سلطنة عمان وإسرائيل بمشروع التسوية النهائية بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية والذي سيأخذ زخمَه القوي بعد انتهاء الانتخابات النصفيّة في الولايات المتحدة الأميركية.
ففي آخر المعلومات أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب سينجو من الهزيمة التي كانت تتهدّد حزبه الجمهوري. ووفق معلومات ديبلوماسية معنيّة فإنّ الحزب الجمهوري حسم فوزه في مجلس الشيوخ، أما في مجلس النواب فإنّ الحزب الديموقراطي سينجح في استعادة مواقع كانت تُعتبر له تاريخياً وخسرها في الانتخابات السابقة. لكنّ هذا الانتصار المحدود للديموقراطيين في مجلس النواب لن يُحسَبَ انتصاراً على مستوى الكونغرس وهو ما يعني نجاة ترامب بعدما ربط الانتخابات بالاستفتاء حول سياسته. وإذا صحّت هذه النتيجة فإنّ فريق ترامب سينطلق فور إعلان النتائج الى الاستمرار في سياسته السابقة ولتأمين تسويتين في الشرق الاوسط تسمحان له بالتحضير جيداً لانتخابات التجديد له في خريف العام 2020.
والمقصود هنا التسوية النهائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين والتسوية السورية. وقد يكون لحضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مسقط قبل ساعات من وصول نتنياهو معناه الواضح في هذا الإطار وهو ما لم ينفِه يوسف بن علوي ولو أنه وضعه في إطار تقديم الأفكار وتسهيلها وليس في إطار الوساطة.
مصادر ديبلوماسية معنيّة تكشف أنّ هذه الزيارة كان يُعمل على حصولها أواخر هذه السنة. وقد يكون السبب الذي أذن الاستعجال بحصولها التطوّرات التي تحصل في المنطقة ولا سيما منها الأزمة التي تمرّ بها السعودية إضافة الى تأزّم الاوضاع في غزة، والتطورات المتسارعة مع إيران وهنا بيت القصيد.
فسلطنة عُمان معروف أنها تعتمد الأسلوب السياسي الصامت والهادئ وتؤدّي أدواراً صعبة لمصالح قوى متناقضة تماماً كما هو حاصل بين السعودية وإيران. ووساطتها نجحت سابقاً في تأمين لقاء مباشر بين الإيرانيين والأميركيين تحضيراً للاتّفاق النووي الذي وُقّع سابقاً. يومها اشترط الإيرانيون عدم تصوير اللقاء حتى لغايات الارشيف وهو ما ضمنت مسقط احترامَه.
ولذلك فإنّ نتنياهو الذي هدف من زيارته تعزيز وضعه الداخلي الانتخابي وسط الفضائح التي تطوّقه وعلى اساس انّ سياسته تُؤتى ثمارها، وإيجاد أفكار جديدة للتسوية مع محمود عباس، ولكنه هدف خصوصاً الى بناء قناة خلفية محتمَلة مع إيران لتنظيم الاشتباك على الساحة السورية، ولوضع ضوابط على الساحة الفلسطينية وفي غزة. مع الإشارة الى أنّ الصواريخ التي أُطلقت من غزة تزامناً مع الزيارة فسّرها الاسرائيليون بأنها رسالة اعتراض إيرانية على الزيارة نفسها.
أما السلطان قابوس الذي كان واحداً من قلّة من الزعماء العرب الذين لم يتراجعوا عن العلاقة المفتوحة مع اسرائيل، فهو يعرف أنّ الظرف الحالي يلعب لمصلحة دورٍ أوسع لبلاده وسط التخبّط الذي يحاصر السعودية. هو ايضاً يريد تأمين حماية لدوره المساعد للحوثيين في اليمن من خلال تأمين نقل الأسلحة والذخائر لهم. هو يريد إبعاد الضغوط عنه بسبب علاقته الخاصة بإيران.
في اختصار ما ان ستنتهي الانتخابات الأميركية حتى يُطلق البيت الأبيض حركة ضاغطة في اتّجاهين: الأول في اتّجاه الملف الفلسطيني ولكن مع تعديلات أقلّ طموحاً وسقف أكثر انخفاضاً ما يعني تجويف مشروع «صفقة العصر» الذي تضمّن شروطاً قاسية. وفي المشاورات بين واشنطن وباريس، دور أكبر سيظهر للرئيس الفرنسي عبر تولّيه طرح خطته نيابةً عن ترامب، والثاني في اتّجاه الملفّ السوري حيث شكّلت القمّة الرباعية في اسطنبول تمهيداً واضحاً لها.
لكن الى جانب الضغط السياسي هنالك ضغط ميداني ونار ستتصاعد بهدف إنضاج الحلول السياسية المقترَحة.
ففي التنف عند المثلث السوري - العراقي ـ الأردني يستعدّ الجيش الأميركي لتفعيل حركته العسكرية في وجه إيران وبموازاة إعلان النسخة الجديدة من العقوبات في الرابع من الشهر المقبل. ونُقل عن قائد القوات الأميركية في المنطقة الجنرال جوزف فوتل أنّ لهذه القاعدة مزايا اساسية في اطار وقف التمدّد الإيراني. وسيحصل هذا في وقت أُبعدت إيران من قمّة اسطنبول فيما قرّرت الصين تقليص مشترياتها من النفط الإيراني.
أما على المستوى الفلسطيني، فإنّ الضغوط ستتصاعد لخنق حركة «حماس» وتحسين أوراق السلطة الفلسطينية، وبدا أنّ مصر تتولّى جانباً اساسياً من ملف غزة في وقت يجول موفد نتنياهو الجنرال يُعراف موردخاي في بعض العواصم العربية في مهمات سرّية، وهو الذي يُتقن اللغة العربية جيداً، وبالتأكيد نقاط ضعف الأنظمة العربية. هو يتحدث عن علاقات دافئة لا بدّ منها بين إسرائيل والدول العربية على أساس التعاون في وجه «الخطر» الإيراني، وعلى أن يشمل هذا التعاون أمور الأمن والدفاع والصناعة العسكرية الإسرائيلية المتطوّرة.
الى جانب ذلك سيتصاعد النزاع الفلسطيني ـ الفلسطيني كلما تقدّمنا الى الامام. صحيح أنّ اشتباكات مخيم المية ومية في جنوب لبنان بدأت بخلاف فردي لكنّ تطوّرَه وتصاعدَ حدّته يحمل خلفيات سياسية أبعد. وقد حاولت حركة «فتح» الاستفادة من تعزيزات من مخيم عين الحلوة لحسم الموقف أو خلق «ستاتيكو» ميداني جديد لصالحها لكنها لم تستطع تحقيق غايتها.
الجيش اللبناني الذي طوّق المخيم يضع هدفاً أساسياً له وهو منع تضرّر السكان اللبنانيين، خصوصاً في بلدة المية ومية. لكنه ايضاً وضع خططاً أخرى في حال تطوّر الوضع، وهو ما يتوقّعه البعض. الأهم من ذلك إبقاء الوضع هادئاً في مخيم عين الحلوة وهو ما التزم به الأطراف. لكنّ السياسة أقوى والمشاريع أكبر، ما يعني أنّ استمرارَ الهدوء غير مضمون، والأخطر أنّ مخيم عين الحلوة هو الوحيد الذي يأوي كادرات إرهابية من «داعش» وغيرها وهي على تواصل دائم مع الخارج.
وفي الكواليس اللبنانية بدء التحضير لطريقة التعامل مع الواقع الفلسطيني في ظلّ ما يجري التخطيط له والتسويات المطروحة ومنها أنّ عقود إيجار المخيّمات التي كانت تلتزمها وكالة «الأونروا» لم تُدفع منذ زمن بعيد، وأنّ المساحة الأصلية حين أُنشئت المخيمات تغيّرت وأصبحت أكبر بأضعاف وأضعاف وهو ما يخالف العقود التي نُظِّمت سابقاً ما يسمح للبنان بالتحرّك مستقبلاً.