تجرى الانتخابات النصفية الأميركية في 6 تشرين الثاني المقبل، ينتخب فيها الأميركيون، كل أعضاء مجلس النواب (الكونغرس) الـ435 وثلث أعضاء مجلس الشيوخ الـ 100 (33 مقعداً هذه المرة زائداً مقعدين خاليين). وتجرى انتخابات موازية، أهمها انتخاب حكام 36 ولاية، ومجلسي نواب وشيوخ الولايات في غالبيّتها. تجدر الإشارة إلى أنّ ولاية النائب في الكونغرس سنتين، وحاكم الولاية 4 سنوات وعضو مجلس الشيوخ 6 سنوات. كل ولاية لها عضوان في مجلس الشيوخ بينما عدد النواب يتوقف على عدد المقيمين في الولاية الذي يتحدّد كل 10 سنوات حسب تعداد السكان.
في كل الانتخابات النصفية تقريباً يخسر الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الجمهورية مقاعد في مجلس النواب. هذه المرة لن تشكّل استثناءً. السؤال هو كم؟
خسر الديمقراطيون عدداً كبيراً في الانتخابات النصفية سنة 2010 (بعد سنتين من انتخاب أوباما) وأصبح الجمهوريون غالبيّة. يحتاج الديمقراطيون في الانتخابات المقبلة لـ 23 مقعداً إضافياً في مجلس النواب لكسب الغالبيّة.
تدل آخر إحصاءات «مركز 538» وهو من المراكز الأكثر صدقيّة في استطلاع نتائج الانتخابات، أنّ احتمال فوز الديمقراطيين بالغالبيّة هو 85 بالمئة، مقابل 15 بالمئة للجمهوريين.
أما في مجلس الشيوخ، فعلى رغم أنّ كلّ ما يحتاجه الديمقراطيون مقعدين إضافيّين، فإنّ هدفهم يبدو صعباً. «مركز 538» يقدّر نسبة نجاحهم بـ 17 بالمئة.
أما على مستوى الولايات، فيُجمع المستطلعون على أنّ الديمقراطيّين سيفوزون بغالبية الحكام والمجالس المحلّية. أهمية هذه الانتخابات أنها تسمح للرابح برسم حدود الدوائر الانتخابية التي يمثلها أعضاء الكونغرس في ولاياتهم وتغييرها بشكل يعطي الحزب الأكثري أفضلية في الانتخابات النيابية. إعادة رسم الدوائر الانتخابية لهذا الهدف يُسمّى (gerrymandering).
ماذا لو ربح الديموقراطيون الغالبيّة في مجلس النواب دون مجلس الشيوخ، كما تفيد غالبية الاستطلاعات؟ للجواب على هذا السؤال يجب معرفة ماهي صلاحيات كل من المجلسين.
مهمّة مجلس النواب الأساسيّة التشريع، وفرض الضرائب، والموافقة على الموازنة العامة. الأهم بالنسبة لترامب هو صلاحية الكونغرس في إحالة رئيس الجمهورية (وكبار المسؤولين الفيديراليين) الى المحاكمة في مجلس الشيوخ (Impeachment)، ما يتطلب أصوات نصف النواب زائداً واحداً.
أما مهمة مجلس الشيوخ فهي التصديق على المعاهدات التي يعقدها الرئيس، والموافقة على تعيينات كبار المسؤولين (مثلاً الوزراء والسفراء)، ومحاكمة الرئيس وكبار الموظفين الذين أحالهم مجلس النواب إلى المحاكمة، وتتطلّب الإدانة موافقة ثلثي الأعضاء.
لعلّ أخطر نتيجة لتغييرٍ محتمَل في غالبية الكونغرس لصالح الديمقراطيين، هي إمكانية إحالته إلى المحاكمة من قبل كونغرس ذات غالبية ديمقراطية. إلّا أنه من غير الممكن، في هذه الحالة، الوصول إلى الإدانة، وبالتالي إجبار ترامب على التنحّي، إلّا بثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وهذا لن يحصل إلّا إذا وافق عدد كبير من الأعضاء الجمهوريين على الإدانة، ما هو مستبعد طبعاً، أقلّه راهناً.
الجدير بالذكر هو أنّ نتائج تحقيق المدّعي الخاص روبرت مولر، في إمكانية حصول تواطؤ بين الروس وترامب لإيصال الأخير إلى الرئاسة، وفي احتمال عرقلته للعدالة، وأمور أخرى، من المنتظر أن تظهر بعد إعلان نتائج الانتخابات، فإذا جاءت لغير مصلحة الرئيس فهذا سيعطي دفعاً إضافياً للديمقراطيين لإحالة ترامب للمحاكمة.
يركّز الجمهوريون في دعاياتهم الانتخابية على قضية الهجرة التي تستقطب غالبيّةً من البيض قلقة من انحسار دورها. فنسبة «البيض غير اللاتين» من مجموع السكان، انخفضت في الولايات المتحدة من حوالى 90 بالمئة في خمسينات القرن الماضي إلى حوالى 60 بالمئة اليوم، وسيصبحون أقلّية كباقي الأقلّيات بعد أقل من عشرين سنة.
الأنكى من ذلك بالنسبة لهؤلاء هو انتخاب رئيس جمهورية (أوباما) بأقلية من أصوات البيض (41 بالمئة سنة 2012) ما يعني أنّ البيض لن تكون لهم الكلمة الفصل في الانتخابات على المستوى الوطني، كما كان الحال منذ إعلان الاستقلال سنة 1776.
في السياق نفسه، يؤكّد ترامب على سياسته لمنع المهاجرين اللاتين من المجيء إلى الولايات المتحدة، وطرد المهاجرين غير الشرعيين، وبناء حائط على طول الحدود الجنوبية الأميركية، كل ذلك لشدّ عصب مؤيّديه من البيض. وساعدته في ذلك قافلة من سبعة آلاف شخص انطلقت من أميركا الوسطى إلى الحدود الأميركية. ويصف ترامب هؤلاء بـ «جحافل من المجرمين» متوعّداً بإرسال الجيش للتصدي لهم.
التحسّن الاقتصادي الأميركي الذي حققته إدارة ترامب، بدأ يفقد من أهميته، فثماره لم تظهر للطبقة الوسطى وما دون، بل للشركات الكبرى والطبقة الميسورة. لذا وعد ترامب بخفض الضرائب على هذه الطبقة قبل الانتخابات وأسعار بعض الأدوية.
أضف إلى ذلك، تاريخياً، يفقد الاقتصاد أهمّيته الانتخابية عندما يكون منتعشاً، وتكبر أهميته عندما يتراجع. ويبقى النموّ الاقتصادي مرتفعاُ نسبياً (أكثر من 3 بالمئة) ما يعمل لصالح الجمهوريين.
في مواجهة هذه الأمور المربحة للجمهوريين، يركّز الفريق الآخر على أمور له فيها اليد الطولى وعلى رأسها النظام الصحّي، والمساواة وحقوق الأقلّيات والمثليّين وغيرهم، وعلى اتّهام الجمهوريين، وعلى رأسهم ترامب، باحتقار النساء وعدم الدفاع عنهم بما يخصّ التحرّش الجنسي والعنف الأُسري والمجتمعي، علماً أنّ ترامب متّهمٌ شخصياً بالتحرّش الجنسي.
لقد صوّت 54 بالمئة من النساء لهيلاري كلينتون مقابل 42 بالمئة لترامب. وصوّت 58 بالمئة من البيض لترامب مقابل 37 بالمئة لكلينتون. ويتوقع الفريقان أن تشهد الانتخابات المقبلة انقساماً أكبر بين الفريقين (البيض والنساء). فبالنسبة للنساء مثلاً تشير الاستطلاعات إلى أنّ حصة الديمقراطيين من أصوات النساء قد تصل إلى 80 بالمئة.
وبما أنّ خطوط التماس جامدة فمن المنتظر أن تتأثر نتائج الانتخابات بكثافة مشاركة البيض والنساء، ولا يأمل المرشّحون في استقطاب مساندين من الفريق الآخر.
وأخيراً ماذا سيكون تأثير نتائج هذه الانتخابات على لبنان والمنطقة؟
أولاً: لن يكون تأثير كبير إذا بقيت أو تغيّرت الغالبية في مجلس النواب، لأنّ صلاحيات المجلس هي أصلاً داخلية لا تؤثر في السياسة الخارجية.
ثانياً: ما يهمّ لبنان والمنطقة هو موقف واشنطن من إيران و»حزب الله» والعقوبات المحتملة عليهما ولا فارق بين مواقف الحزبين بهذا الشأن.
ثالثاً: حتى لو أزيح ترامب تحت وطأة تحقيقات مولر، والتحوّل المحتمل للغالبية في الكونغرس لصالح الحزب الديمقراطي، فسيحلّ مكانه نائبه مايك بنس الأكثر تطرّفاً ضدّ إيران.
أما بالنسبة للعقوبات على «حزب الله» فالحزبان متفقان، على ألّا تمسّ هذه العقوبات اقتصادَ لبنان واستقرارَه الأمني، أقلّه في المستقبل المنظور.