يوماً بعد يوم، تتكشف آثار تلوث الليطاني على المقيمين حول مجراه، ولا سيما في حوضه الأعلى في البقاع. الصرف الصحي والصناعي والاستخدام العشوائي للمبيدات، ينتج نسب أمراض عالية، تستدعي كلفة استشفائية باهظة على المواطنين والدولة
بيّنت دراسة مقارنة أجرتها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني ارتفاع الإصابات بالأمراض الناجمة عن تلوث الأطعمة والمياه (بحسب منظمة الصحة العالمية) في مناطق الحوض الأعلى لليطاني. واعتمدت الدراسة على بيانات حديثة لوزارة الصحة العامة حول انتشار الأمراض الناجمة عن التلوث في منطقة البقاع بين عامي 2002 و2018.
وسُجلت في الأشهر العشرة الأولى من 2018 (حتى تشرين الأول) 334 إصابة بالتهاب الكبد الفيروسي «أ»، (156 إصابة في قرى قضاء زحلة، و148 في بعلبك ــــ الهرمل، و21 في البقاع الغربي)، في مقابل 91 إصابة عام 2002 في المناطق الثلاث. ومن بين أسباب الإصابة بهذا المرض، ابتلاع أطعمة أو مشروبات ملوّثة بالبراز (ولو بكميات مجهرية). توزع الحالات بين الأقضية الثلاثة ربطه المدير العام للمصلحة سامي علوية، بنسب تلوث الليطاني بالصرف الصحي. إذ إن 87 في المئة من بلدات زحلة (حيث سجّلت النسبة الأعلى من الاصابات) توجّه صرفها الصحي نحو النهر، في مقابل 53 في المئة من بلدات بعلبك ــــ الهرمل (ثاني أعلى نسبة من الإصابات)، و29 في المئة من بلدات البقاع الغربي (النسبة الأدنى). وأوضحت البيانات أن المرض سجّل أرقاماً قياسية عام 2014، حيث سُجّلت 1489 حالة في الأقضية الثلاثة. ومع أن الرقم تدنى في السنوات اللاحقة، إلا أنه لم يقلّ عن 284 إصابة سنوياً.
الاصابات بالتهاب الكبد ترتفع في البلدات التي تصرّف صرفها الصحي في النهر
رصد «الصحة» سجل أيضاً ارتفاع نسب الإصابة بمرض «البروسيلات» الذي يصيب الإنسان من طريق الحيوانات المصابة (الأغنام والماعز والأبقار والخنازير) من خلال شرب الحليب الخام أو منتجات الحليب غير المبسترة. كذلك يمكن هذه البكتيريا أن تصل إلى الماء عبر الحيوانات ليصاب بها الإنسان من طريق الماء الملوث. ووفق البيانات، فإن «البروسيلات» حاضر سنوياً في السجلات الصحية لجيران الليطاني بنسب متزايدة (293 إصابة سنة 2015 و286 سنة 2016 و318 سنة 2017). والأمر نفسه بالنسبة إلى مرض الزحار (الديزنطاريا) الذي يسبّبه غسل الأيدي والخضار والفاكهة بالماء الملوّث أو زرع المزروعات في تربة ملوثة بالمخلفات البشرية. ففي مقابل تسجيل إصابات تقلّ عن عدد أصابع اليد الواحدة قبل 2002، بيّنت الأرقام أن المرض في تصاعد، وإن بنسب متفاوتة. إذ سجّلت 133 إصابة سنة 2014، و54 سنة 2015، و84 سنة 2016، و44 سنة 2017، و41 سنة 2018.
نسب المصابين بالتسمم الغذائي سجّلت ارتفاعاً أيضاً. وفي حين أن العدد لم يتجاوز ثلاث إصابات، كما في سنتي 2004 و2005، سُجّلت 128 إصابة سنة 2016، و245 سنة 2017، و138 سنة 2018. والأمر نفسه بالنسبة إلى داء الديدان الطفيلية الذي يصيب الأطفال خصوصاً، من طريق التربة الملوثة أو استهلاك المياه الملوثة أو التربة الملوثة، وقد بدأ هذا المرض بالظهور في البقاع، وسُجّل الرقم الأعلى للإصابات (24 حالة) عام 2014. وكذلك الأمر بالنسبة إلى داء المشوكات الناجم عن ابتلاع الطعام أو الماء الملوث، إذ سُجّل ارتفاع حالات الإصابة بدءاً من عام 2003، بنسب متفاوتة، كان أقصاها 12 إصابة عام 2014.
ولاحظت الدراسة أن الأمراض الستة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتلوث «تملك عاملاً مشتركاً، هو خط الاتجاه التصاعدي لعدد المصابين بها». وسُجّلت أعلى نسبة للإصابات بكل من هذه الأمراض بين عامي 2014 و2017، فيما لا تزال نسب عام 2018 معرّضة للارتفاع.
وكان مسح ميداني أعدته الجامعة الأميركية في بيروت (صدرت نتائجه عام 2008) قد كشف أنّ الحوض الأعلى لليطاني شهد خسارة عشرات ملايين الدولارات بسبب تلوث النهر الذي يوفر مياه الشرب لنحو 350 ألف شخص يقيمون في 161 بلدة (زاد العدد استناداً إلى النمو السكاني). ورصد المسح البيانات الصحية لعام 2004 الناجمة عن تأثيرات ارتفاع نسبة تلوث المياه. وأظهر ارتفاع معدل الأمراض التي تنتقل من خلال المياه وتزايد نسبة وفيات الرضع. ولفت إلى أنّ أكثر الأمراض التي سبّبها تلوث المياه في منطقة الحوض الأعلى، كانت الإسهال والتيفوئيد (أكثر من ستة آلاف إصابة).