لا يعكس الهدوء الحالي في مخيم المية ومية الفلسطيني حقيقة الوضع في داخله، بل إنّ الإشارات المنبعثة من أرجائه تفيد أنّ الجمر لا يزال تحت الرماد، وربما فوقه، وسط الاحتقان المستمر على الأرض واحتفاظ كل من حركتي «فتح» و«أنصارالله» بالجهوزيّة القتالية، تحسّباً لكل الاحتمالات الميدانية.
ونتيجة هذا الواقع القاتم، أصبحت أحياء عدة في المخيم مسكونة بالأشباح بعدما هجرها سكانها خلال المعارك الأخيرة، من دون أن يعودوا اليها حتى الآن، تخوّفاً من تجدّد القتال بين حركتي «فتح» و«انصارالله»، خصوصاً انّ التهدئة التي تمّ التوصل اليها لا ترتكز على قواعد واضحة، وبالتالي فإنها تبدو هشة جداً وآيلة للسقوط في أيِّ لحظة ما لم يتم تحصينُها بحلٍّ أمني- سياسي.
وعُلم انّ عناصر «فتح» يواصلون ضرب الحصار على الامين العام لـ»أنصارالله» جمال سليمان ومقاتليه المقدّر عددهم 70 مقاتلاً تقريباً، ضمن المربع الذي يضمّهم، فيما الأصابع من الجهتين لا تزال على الزناد، في انتظار ما ستؤول اليه الوساطات التي تنشط بعيداً من الأضواء سعياً الى معالجة جذرية لأزمة المخيم التي انطلقت شرارتُها من حادثة فردية، ما لبثت أن تدحرجت لتتّخذ طابع المواجهة الحادة والشاملة بين الفصيلين الفلسطينيين.
وفي المعلومات، انّ «حزب الله» وحركة «حماس» يحاولان، كلٌ من موقعه، إيجاد مخارج معيّنة من نفق المأزق الذي انزلق اليه المخيم المتاخم لبلدة المية ومية اللبنانية ولمدينة صيدا، حيث زار وفد من «حماس» أخيراً مسؤول الأمن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي ابو عرب، وجمال سليمان الذي ابلغ الى الوفد أنه مستعدّ للتجاوب مع أيّ مسعى يصبّ في خانة إعادة الاوضاع الى طبيعتها في المخيم، لكنه اكّد في الوقت ذاته أنّ من حقه الرد على أيّ اعتداء والتصدّي له.
وأبعد من المسكنات الأمنية الموضعية، عُلم أنّ من بين الطروحات الرامية الى معالجة جذرية للوضع واحداً يقترح خروج سليمان من مخيم المية ومية، عبر ممرّ آمن وإخراج مشرّف، لكنّ المشكلة التي تعترض هذا الطرح تتعلق بصعوبة تحديد الوجهة التي يمكن أن يقصدها سليمان، إذ إنّ «عين الحلوة» المثقل بالأعباء والحساسيات لا يتحمّل انتقاله اليه، و«الرشيدية» لا يشكّل بيئةً مناسبة له، و«حزب الله» لا يستطيع استقباله في الضاحية لاعتبارات عدة، علماً انّ موقف «الحزب» كان حاسماً في منع أيّ محاولة للقضاء عليه من باب الوفاء لدوره في الوقوف الى جانب المقاومة خلال أصعب الظروف في الماضي، فيما تُردّد بعض المصادر الفلسطينية أنّ سوريا قد تكون ملاذاً وارداً لسليمان إذا وافق على مبدأ المغادرة.
إلّا أنّ أوساطاً فلسطينية معنيّة بهذا الملف تستبعد فرضية خروج سليمان من مخيم «المية ومية»، لافتة الى انّ بقاءه هناك يشكّل جزءاً من توازنات المخيم ومحيطه، وينطوي على وظيفة حيوية أمنياً وسياسياً لا يمكن الاستغناء عنها بهذه البساطة، ما يعني أنّ أيّ حلٍّ يجب أن ينظّم وجود سليمان في المخيم، وليس رحيله عنه وفق إعتقاد تلك الاوساط.
وتتخوّف الاوساط نفسها من تعمُّد إبقاء المخيم نازفاً بهدف إجبار سكانه على مغادرته نهائياً، في اطار الدفع نحو تفريغ المخيمات الفلسطينية في لبنان من قاطنيها، للتخلص من عبء اللاجئين بعد تشتيتهم وتفكيك مراكز تجمعهم الوازنة، بحيث يسهل تنفيذ صفقة القرن على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، كاشفة انّ عائلات كانت تستأجر منازل في «المية ومية» تركته بعد المواجهة الاخيرة في سياق موجة هجرة واسعة الى خارج لبنان.
وعلى وقع النزاعات الصاخبة حيناً والصامتة حيناً آخر، أفادت مصادر فلسطينية اسلامية انّ قيادياً فلسطينياً أمنياً، ومرتبطاً بجهة اساسية، يتولّى التجسّس على تحرّكات ومراكز «حزب الله» و»حماس» و»الجهاد الاسلامي» و»انصار الله» في لبنان، وأنه على تنسيق وثيق مع أجهزة أمنية غربية. واشارت المصادر الى انّ القيادي المذكور هو من أنصار الحسم العسكري ضد سليمان ومجموعته وأنه يضغط في هذا الاتّجاه.
وبينما تتحرك «حركة حماس» على خط تبريد الصفيح الساخن في «المية ومية»، افادت المعلومات انّ وفداً قيادياً منها برئاسة نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العروري زار طهران قبيل اسبوع تقريباً والتقى مسؤولين إيرانيين، في سياق تعزيز العلاقات المستعادة والتنسيق المشترك بين الجمهورية الإسلامية والحركة، الى جانب البحث في التحدّيات التي تواجه القضية الفلسطينية والمنطقة.