ليس على خطى أحمد الأسير، إنما بتنسيق مع الدولة، خرج جمال سليمان آمناً من المية ومية، فاتحاً الطريق أمام إعادة المخيم إلى الهدوء الذي عاشه لسنوات
كما كان متوقعاً، أخذ الأمين العام لحركة «أنصار الله»، جمال سليمان، بنصيحة حزب الله وحركة أمل وغادر مخيم المية والمية ليل الثلاثاء، متوجهاً إلى العاصمة السورية دمشق. إثر الاشتباكات العنيفة التي اندلعت في جولتين بين الجماعة وحركة فتح خلال الشهر الماضي، اتخذ الحزب والحركة والجيش اللبناني والقوى والفصائل الفلسطينية قراراً بإعادة الهدوء إلى المية ومية، المخيم الذي كان يتميز بسلمه، بين المخيمات الأخرى. توصلت الأطراف إلى اتفاق يقضي بإنهاء المظاهر المسلحة من الطرفين وإعادة الحياة الطبيعية ليس إلى ما قبل الاشتباكات الأخيرة فقط، إنما إلى ما قبل سنوات سبقت الاغتيالات والاضطرابات، قبل أن يتزايد نفوذ سليمان في المخيم الذي صار عرينه الأخير. مغادرة سليمان أعقبتها إزالة قوات الأمن الوطني الفلسطيني للدشم والنقاط العسكرية التي استحدثتها أخيراً، بإشراف قائدها اللواء صبحي أبو عرب. أما في مربع أنصار الله، فقد تولى نائب الأمين العام ماهر عويد والقيادي إبراهيم أبو السمك إزالة مظاهر الاستنفار والعسكرة.
المرحلة الثانية من الاتفاق تنص على سحب المسلحين، استجابة لتعهدات رئيس الجمهورية ميشال عون وقرار قيادة الجيش التي تسلمت حاجز الكفاح المسلح عند مدخل المخيم الغربي ونشرت قوة من المغاوير عند الحدود الشرقية للمخيم في بلدة المية ومية. بالنسبة لفتح، فإنها أعربت للجيش عن موافقتها على إغلاق مراكزها في المية ومية ونقل مسلحيها إلى عين الحلوة. وبالنسبة للمسلحين الفتحاويين الإضافيين الذين استقدمتهم حركتهم من مخيمات الجنوب إلى المية ومية خلال الاشتباكات الأخيرة، فإن قيادتهم تعهدت بإعادتهم إلى مراكزهم الأساسية. أما أنصار الله، فقد أكدت مصادر أمنية فلسطينية بأن عويد الذي تم التوافق فلسطينياً ولبنانياً على توليه الجماعة بعد سليمان، جاهز لنقل قيادته وعناصره إلى عين الحلوة. ميدانياً لا وجود عسكرياً بارزاً للقوى والفصائل الأخرى، باستثناء حركة حماس التي تنتشر في نقاط استراتيجية في وسط المخيم ناحية القصر والنادي، فيما تتوزع فتح وأنصار الله على الأطراف. حتى قبيل ساعات من مغادرة سليمان، كانت حماس تعمل على بقاء الوضع كما هو عليه. مصدر مسؤول فيها قال إن فتح والجماعة «مكونان رئيسيان لا يجب أن ينتصر أحدهما على حساب الآخر»، محذراً من «مخططات لإفراغ المية ومية وصولاً إلى إلغاء المخيمات وشطب حق العودة».
خرج سليمان من المية ومية وقد تلحق به أنصار الله. لكن التجارب السابقة مع الشيخ لا تعني أن دوره انتهى في المخيمات الجنوبية. بعد انشقاقه عن فتح بداية التسعينيات، خرج من عين الحلوة إلى المية ومية ومنها إلى سوريا. في مخيم اليرموك، حظي بدعم من سوريا عندما أعلن تحالفه مع المقاومة الإسلامية (حزب الله) ومحور العداء ضد إسرائيل واتفاقيات السلام. بشكل متقطع، كان يعرج على المية ومية. في كل مرور له، كانت التوترات مع فتح تتراكم، حتى أن الحركة اتهمته بالضلوع باغتيال ضابطها كمال مدحت الذي كان يسيطر على المخيمات. بعد الأزمة السورية، استقر نهائياً في المية ومية، استشعرت فتح الخطر وبدأت الصدامات معها، حتى قضى على جماعة الفتحاوي أحمد رشيد في المخيم، وجرى اتهامه مجدداً باغتيال القيادي فتحي زيدان. في إحدى المرات، وجراء أزمة مالية، أعلن فك ارتباطه بحزب الله «احتجاجاً على قتاله في سوريا»، فيما كان نجله حمزة يقاتل في سوريا في صفوف النصرة ويدعم الإسلاميين المتشددين في عين الحلوة ويمدهم بالسلاح والمال.
تم التوافق على عويد فلسطينياً ولبنانياً ليتولى الجماعة بعد سليمان
بعد الاشتباك الأخير، ولكي لا يحمل الميّة الميّة وزر الصراع بين فتح وسليمان، رتّب حزب الله وحركة أمل عملية خروجه مع الدولة اللبنانية إلى سوريا. لا يبدو أن جمال سليمان قد يتغير. يتوقع عارفوه بأن يطل مجدداً على الساحة اللبنانية التي لن يتركها خالية لفتح، فضلاً عن بقاء نجله حمزة هنا، على رغم مغادرة والدته وإخوته وزوجات أبيه الأربع (معظمهن سوريات). مصدر مواكب أكد أن بقاء حمزة في المية ومية لن يطول، لا سيما أنه لا يتفق مع سياسة عويد الذي اعتكف في وقت سابق احتجاجاً على تحكم حمزة بالجماعة. يتوقع المصدر بأن ينتقل حمزة إلى حضن بلال بدر وبلال العرقوب والإسلاميين المتشددين في عين الحلوة الذين آزرهم في معاركهم السابقة ضد فتح. وعليه، فإن أسباباً كثيرة لن تجعل فتح وحلفاءها يهنأون ويظنون أنهم تخلصوا من الشيخ جمال.
مغادرة سليمان انعكست ارتياحاً عارماً لدى أهالي المية ومية. سجل للجيش تخفيفه الإجراءات الأمنية على الحاجز، فيما نقل مصدر مسؤول استعداد استخباراته السماح بدخول مواد البناء لترميم البيوت المتضررة لتسريع عودة النازحين. لكن من سيمول الترميم؟ حتى الآن، لم تبادر أي جهة فلسطينية أو الأونروا بمسح الأضرار. ما فعلته الوكالة توزيع مساعدات عاجلة للنازحين، وتنتظر سحب المظاهر المسلحة من الشوارع لإعادة فتح المدارس وعيادة الاستشفاء المقفلة منذ منتصف الشهر الماضي. أما فتح ولامتصاص غضب أهالي عناصرها الأربعة الذين قضوا في الاشتباكات والجرحى، كشف مسؤول بأنها سوف تقدم لعائلات الضحايا مبلغاً مالياً.