من اجل أن يركب واحدٌ على الكرسيّ المخلّع، يتعرّض ما يفوق الأربعة ملايين لبناني للركوب على قرون الثيران...؟
ومَنْ هو هذا الماروني والدرزي والسنّي والشيعي المستقل... هذا الواحد الأحد والذي يملك حسّاً نبوياً، ليكون أكبر من لبنان المستقلّ، ومَنْ هو هذا الخلفية المعِـزُّ لدين الله الذي قال فيه الشاعر إبن هانيء مادحاً
فكأنّما أنتَ النبيُّ محمدٌ وكأنّما أنصارُكَ الأنصارُ..؟
منْ عقدةٍ مارونية الى عقدة درزية الى عقد سنيّة، هكذا أصبح كلُّ مذهب في لبنان عالةً عليه، وأزمةً وطنيّة بدل أن يكن حلاًّ لأزمات الوطن، وهكذا جعلوا رسالة لبنان الحضارية ورقـةَ نعيٍ في المآتم، فمذهبوه على أسنَّـةِ السيوف وعلى أسنّـة قانون الإنتخابات القاتلة على الهوية.
في هذا الخضمّ المتلاطم بثورة المذهبية، عندما يلجأ النائب السنيّ المستقل الى مرجعيات شيعية للتوزير يبطل أن يكون مستقلاً، ويصبح الموقف السياسي موقفاً دينياً تتفاعل معه الأرض بحساسيةٍ محمومة كمثل حملة التعبئة السنيّة التي قامت ضدّ «سنّة حزب الله» ورفضاً للتدخل في شؤون الطائفة.
أرجو ألاّ يُساء فهمي وكأنني أدعو الى عدم تمثيل السنّة المستقلين، وأنا أعرفهم وأعرف عنهم، وأعرف أن وجدانهم الوطني والأخلاقي لن يسمع عند اشتداد المآزق العاصفة، بأنْ يكونوا هم مـادة انفجار أو زيـتاً على النار السنيّة– الشيعية التي وإنْ خمدتْ تحت الرماد إلاَّ أنها لم تنطفيء.
مع هذا، فأنا على سذاجتي لم أقـتنع بأنَّ الأمر على فظاعته وخطورته يتعلق بتوزير سني مستقل، والعقل - كما يقول الفيلسوف الفرنسي «ديكارت»- قادرٌ على معرفة الحقائق بواسطة الحسّ أو الإستنتاج.
ولا أريد أن أتوغلّ في المقارنة والإستدلال حيال ما يقال: عن فريق ينتظر مفاعيل العقوبات الأميركية على إيران، وفريق ينتظر مفاعيل عقوبات الصحافي جمال خاشقجي على السعودية، أوْ كأنما هناك مَنْ يمارس العقوبات على لبنان مقابل العقوبات الأميركية على إيران، أو عقوبات تركيا على السعودية.
أنا لا أصدّق أن الإصرار على تمثيل النواب السنة هو من قبيل الحرص على الوحدة الوطنية، التي تتنازع مع الإحتضار وقد تصبح هدفاً لرصاصة الرحمة..
ولا أصدّق أنَ العقدة السنيّة التي تعتبر بسيطة قياساً على سابقاتها، قد عجزت عنها محاولات الحلول وتعطلت حيالها آلـة الحكمة لتحل محلّها آلة الفتنة.
ولا أصدّق أن الذين انتزعوا من المجد انتصاراً ساحقاً على العدو، وحطّموا الأرجل الإسرائيلية المجنـزَرة، يحتاجون الى إخضاع ساعدٍ هزيل في لعبة شـدّ السواعد.
كلُّ أزمة في التاريخ لم يكن حلّها معقوداً إلاّ على قائـد عاقل وحكيم قادر وسيد ماهـر.
يا سيّد... لن ننتظر الخلاص من الذين يجعلون من الفحش فضيلة، ولا إخالك تـترك لبنان ساحة للمفاجآت المميتة الطارئة، في «زمانٍ لا يُقرَّبُ فيه إلا الماحل ولا يُظرَّف فيه إلا الفاجر ولا يضعف فيه إلا المنصف...»
إنـنا... وبوحيٍ من مار مخايل في الشياح، ننتظر قرارك.