مع إنطلاق الأحداث السورية في العام 2011، راهنت معظم قوى الرابع عشر من آذار على سقوط النظام السوري، بقيادة الرئيس بشار الأسد، بعضها دخل في لعبة وضع التواريخ لحصول ذلك، إنطلاقاً من الموجة التي كانت تسود المنطقة، لكن في نهاية المطاف بات الجميع يسلّم بخسارة تلك الرهانات، بناء على المعطيات القائمة على أرض الواقع، إلا أن هناك من لا يزال يسعى إلى تجنّب "الكأس المُر"، على قاعدة: "عنزة ولو طارت".
على الرغم من أن رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، يفضّل عدم تصنيفه ضمن هذا الفريق السياسي، لا سيما بعد أن قرّر الخروج منه إلى "الموقع الوسطي"، بعد أحداث السابع من أيار 2008، إلا أنه كان من أبرز المراهنين على سقوط الأسد، إلى حد الذهاب، في مواقفه السياسية، إلى القول أنه مع "جبهة النصرة"، الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، ضد الرئيس السوري، في حين أن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يُصر على رفض أي تنسيق مع دمشق، رغم الزيارات التي يقوم بها بعض الوزراء من الحكومة التي يرأسها، مع العلم أن قنوات الإتصال قائمة على أكثر من صعيد.
في هذا السياق، ترى مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، في مواقف رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" الأخيرة، مؤشراً على الهاجس التي تعيشه تلك القوى في الوقت الراهن، لا سيما لناحية الإعتراف بأن الأسد استعاد جزءاً كبيراً من قوته، بالتزامن مع المخاوف من محاولة "الانتقام" من الذين عارضوه في لبنان.
وعلى الرغم من وضع المصادر نفسها العديد من علامات الإستفهام حول ما يُطرح، خصوصاً لناحية إعادة لبنان إلى المظلّة السورية، تشير إلى أن الأساس يعود إلى المكابرة التي تبديها تلك القوى، لناحية رفض التنسيق مع دمشق لمعالجة القضايا العالقة، والتي يأتي على رأسها ملف النازحين السوريين، حيث يفضل هؤلاء الذهاب إلى موسكو بدل دمشق، مع العلم أن العاصمة السوريّة أقرب جغرافياً من تلك الروسيّة، وبالتالي المعالجة أسهل من البوابة الأقرب، لا سيما أن موسكو لن تذهب إلى أي تسوية لا تأخذ في عين الإعتبار المصالح السورية.
من وجهة نظر هذه المصادر، الهاجس الأساسي عند تلك القوى أوسع من الساحة السورية، فهو يتعلق بالتوازنات على مستوى المنطقة، خصوصاً أن الكثيرين يستبعدون عودة النفوذ السوري إلى لبنان في وقت قريب، على أساس أنّ التركيز على إعادة ترتيب الوضع الداخلي، والدليل أنّ القوى التي تتحدث عن هذا الهاجس تعلن أنها تريد البقاء خارج المعادلة الجديدة، على قاعدة رفضها الدخول في أي تسوية جديدة مع دمشق، مع العلم أنها حين تشعر بأن القوى الإقليمية الفاعلة، لا سيما السعودية، ذاهبة إلى هذا الخيار، لن تكون بالبعيدة عنه، وهذا الأمر حصل سابقاً في أكثر من مناسبة، في الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2011.
في قراءة المصادر نفسها، ما يتم الحديث عنه يأتي ضمن مسار طبيعي بدأت ملامحه بالظهور، من اللقاء بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونظيره البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصولاً إلى الموقف الأميركي، الذي عبّر عنه المبعوث الخاص المعني بشؤون سوريا جيمس جيفري، لناحية التأكيد أن سياسات بلاده الخاصة بقضية الحكومة السوريّة لا تركز على شخصيات منفردة، بل ان ما يهمها هو الإجراءات التي تتخذها سلطات البلاد، وتضيف: "مخاوف بعض الأفرقاء اللبنانيين تنبع من حصول تسوية تأتي على حسابهم، تقوم على إعادة التسليم بالدور السوري في المنطقة، في سوريا والعراق وفلسطين، ليكون سداً بوجه جماعات الإخوان المسلمين التي تدور في الفلك التركي".
في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بأن كل ما يتم الترويج له يرتبط بالمعادلة التي ستكون عليها المنطقة في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن التسليم بالدور السوري في لبنان، سابقاً، جاء نتيجة تسوية أميركيّة-سعوديّة-سوريّة، في حين أن خروج دمشق، في العام 2005، كان بعد إنهيار تلك التسوية، بينما دور القوى المحليّة لم يكن مؤثّراً إلى حد كبير.