مع هدوء معظم الجبهات في المنطقة وأبرزها الجبهة السوريّة، يجد حزب الله نفسه متفرغا للجبهة الحكوميّة اللبنانيّة. فالحزب الذي لطالما اعتمد سياسة الترفّع حين كان الموضوع يتعلق بالحصص الوزارية لانهماكه في معارك ومشاريع خارجيّة ذات بُعد استراتيجي، آخرها الحرب السوريّة، يعتقد اليوم أنه آن أوان استثمار انتصارات المحور الذي ينتمي اليه في الداخل اللبناني وبالتحديد عبر التشكيلة الحكومية الجديدة.
وقد بدا الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في اطلالته الأخيرة أكثر من واضح وأشدّ من حاسم، حين أكد بشكل أو بآخر أنه لن يكون هناك حكومة للبنان لا تلبي مطالب حزب الله وآخرها توزير أحد حلفائه السنّة. وبقدر ما يعتقد الحزب ان الوقت قد حان للاستفادة من فائض قوّته في مكان ما على الساحة اللبنانيّة المقعدة بتركيبتها، بقدر ما ينظر لموضوع تمثيل "سنة 8 آذار" على أنه المكسب الاستراتيجي الأبرز له داخليا، رغم كل محاولات رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري التخفيف من أهميّة "العقدة السنيّة" في وقت سابق والتعويل على امكانيّة القفز فوقها.
ويُشكل نجاح الحزب باختراق الساحة السنيّة في لبنان والذي تحقّق في الانتخابات النيابيّة الأخيرة، أحد أبرز "الانجازات" بالنسبة له، على حد تعبير مصدر مقرب منه، "فبعد سنوات من تصوير كل سنّة لبنان معارضين لخيار المقاومة، بات التكتل السني النيابي المعارض يتبنى الى حد كبير رؤية الحزب، ولن يفرط به مهما كان الثمن". فالرسالة من توزير ممثل عن "سنة المعارضة" تتخطى الداخل اللبناني لتطرق أبواب الاقليم كما العواصم العالميّة، بحيث يسعى حزب الله لابلاغ أخصامه أنه وبعدما احتكر تمثيل الطائفة الشيعيّة منذ فترة بعيدة ونجح باستقطاب الأكثريّة المسيحيّة الممثّلة بـ"التيار الوطني الحر"، ها هو اليوم يؤمّن الغطاء السنّي الذي افتقده طويلا، ما سيؤمّن له الشرعيّة والمظلّة الوطنيّة التي يحتاج اليهاولن يتمكّن البعضمن "التغبير" عليها.
ويُدرك حزب الله أنه وبالموقف الذي أعلنه أمينه العام مؤخّرا وبالتحديد تجديد تأكيده بالوقوف إلى جانب مطلب النواب السنةالمستقلّين حتى قيام الساعة، يضع أكثر من مسألة على المحك، ولعل أبرزها علاقته مع رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر" بعد اسراع الرئيس عون ومنذ بروز تمسّك حزب الله بتوزير هؤلاء، الى اعلان تضامنه ودعمه لرئيس الحكومة المكلّف في هذا الملف، ما أثار استفزاز الحزب الذي نجح لاحقا باستيعابه. ولعل اعادة تفعيل قنوات الاتصال بين حارة حريك وقصر بسترس في الايام الماضية والمسارعة لاتمام لقاء بين نصرالله ورئيس "التيّار الوطني الحر" جبران باسيل، كانت ترجمة للاستنفار الذي أعلنته قيادتا الحزبين لاحتواء التطورات والمواقف الأخيرة، ومنع اي ارتدادات سلبية ومباشرة على تفاهم مار مخايل.
لكن حرص العونيين على التفاهم الاستراتيجي مع حزب الله لا يلغي حجم الاستياء العارم المسيطر سواء لدى القيادة او الجماهير البرتقاليّة. وقد تكونتسمية باسيل للعقدة المستجدّة بـ"السنية-الشيعية" مباشرة بعد لقائه بنصرالله رغم اصرار حزب الله على ابقائها في اطارها السنّي، ليس الا محاولة منه على حثّ طرفي الصراع على استيعابها سريعا قبل تفاقمها وتهديدها باعادة احياء الصراع السني–الشيعي الذي بُذلت الكثير من الجهود لاخماده.
ويبقى موقف الحريري هو الحاسم في هذا الملف، علما أن كل المعلومات تشير الى انه وضع كل أوراقه على الطاولة وهو يبحث بكل الخيارات المتاحة أمامه، سواء الاعتذار او التشدّد والاستمرار بالاعتكاف في باريس وان عاد لأيام معدودة الى بيروت لابلاغ المعنيين بموقفه، ليبقى قرار عدم التنازل والرضوخ لشرط حزب الله هو المحسوم حاليا، ما يعني عمليا دخول البلاد نفقا جديدا ومظلما من الفراغ الحكومي لن تنفع معه أيّ وساطات ولا دق كل الأجراس المحذرة من الوقوع في انهيار اقتصادي حتمي بسبب الوضع المأزوم حكوميًّا!.