يكثر الحديث بين المحامين، هذه الأيّام، عن المئويّة المقبلة لنقابتهم في بيروت. أصبح عمرها 99 عاماً. سيُنتخب نقيب جديد في العام المقبل، وستكون انتخابات ذات رمزيّة خاصّة. أمّا يوم الأحد المقبل، فستشهد النقابة انتخابات عضويّة خاصّة بأربعة مقاعد في مجلسها. يتعزّز الطابع السياسي لانتخابات النقابة، غالباً، عندما تكون المعركة حول موقع النقيب، فيما يتراجع ذاك الطابع عادة عندما يتعلّق الأمر بانتخابات «العضويّة». هذا الأمر يسري على الانتخابات المقبلة نهاية الأسبوع، التي قد تكون «نقابيّة» بالمعنى التقليدي أكثر مِن السابق، أو هكذا يجب، نظراً لبعض «الفضائح» الإداريّة المثارة، كأزمة «التأمين» مثلاً، التي وصلت إلى التداعي أمام القضاء بين أهل «الكار». بعض المرشحين للعضويّة أتوا على ذكر المسألة في برامجهم المقتضبة، لكن على طريقة العموميّات الإنشائيّة، ذلك ربّما خوفاً مِن إغضاب بعض أصحاب النفوذ، فضلاً عن الحرص على عدم تضييع أصوات يُمكن أن تصبّ لمصلحتهم. ذات يوم، كان لهذه النقابة ثقلها في الحياة الاجتماعيّة عموماً، وكان رأيها مسموعاً على المستوى الوطني، بل يُمكن القول إنّه كان مُهاباً، ولطالما انتظر كثيرون صدور بيانها تعليقاً على مختلف قضايا الرأي العام. أمّا اليوم فالنقابة «مشغولة بحالها». يُحكى عن الفساد الذي طرق أبوابها بالتعاقب على مدى سنوات. بات المحامي يخاف على مصيره وأمنه المعيشي والصحي والتقاعدي. أصبحت تلك النقابة تُشبه كلّ الأشياء في بلادنا. بالتأكيد، لا أحد يتحدّث عن محامين سنراهم يتسوّلون، ولا أنّ الأمر سيطاول بعض «ديناصورات» المهنة، الذين «يأكلون الأخضر واليابس» على مستوى النفوذ المتجاوز للمهنة، لكنّ الحديث عن عدد كبير مِن «صغار» المحامين، الذين يُمكن القول إنّ غدهم يُمكن أن يكون أقل رفاهيّة مِن حاضرهم. كلّ هذه العناوين، التي أثيرت طوال العام الماضي بحدّة، تكاد تغيب، بمستوى تلك الحدّة، قبيل الانتخابات. حسابات الانتخابات دائماً مختلفة.
عدد المرشحين في الانتخابات المقبلة بلغ 13 مرشحاً. الفرع الحقوقي في تيّار المستقبل أعلن ترشيح جميل قمبريس، وهو أمين السرّ الحالي في النقابة، وتبنّى «المستقبل» أيضاً ترشيح إيلي حشّاش المحسوب على حزب القوّات اللبنانيّة. أمّا العضو الحالي أسعد سعيد، فيترشّح مجدّداً، محسوباً على حركة أمل، فيما يترشّح العضو الحالي أيضاً فادي حدّاد محسوباً على التيار الوطني الحرّ. ويترشّح كلّ مِن إيلي بازرلي (مقرّب مِن النقيب السابق نهاد جبر)، جيلبير مسيحي، جيلبير أبو عبّود، آرليت بجّاني، سعد الدين الخطيب، رشيد قبّاني، بيرت أبي راشد (الآتي مِن مقربة ريمون إدّه وتراث النقابة)، حسين جابر وعماد مرتينوس. طبعاً، التحالفات السياسيّة في النقابة لا تكون بالضرورة نسخة عن التحالفات السياسيّة التقليديّة. هنا يحصل تنسيق وتبادل للأصوات، بين الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، بحيث يتصوّر المراقب أنّ مسألة الخلافات السياسيّة، في بلادنا، إنّما هي مجرّد واجهة لخصومة شكليّة.
يبرز في هذه الانتخابات عنوان فرعي لم يكن له صدى في السابق: انتخابات «لجنة إدارة صندوق التقاعد». في القوانين الناظمة لعمل نقابة المحامين، فإن هذه انتخابات لا بدّ أن تُجرى، وبالفعل كانت تُجرى سابقاً على هامش انتخابات مجلس النقابة، لكن كانت تجري بطريقة أقرب إلى التزكية. هذه المرّة، ونظراً للمشاكل الكثيرة التي تعاني مِنها النقابة، في الداخل أكثر مِن الخارج، يبدو أنّ ثمّة معركة انتخابيّة لتحديد مَن سيدير هذا الصندوق. هذا ما يُفسّر ترشّح عدد كبير لشغل عضويّة «الصندوق» في اللجنة المؤلفة مِن 5 أعضاء. كان المحامي فؤاد مطر أوّل مَن ترشح لعضويّة هذه اللجنة، مع برنامج لتحسين ظروف المحامين المعيشيّة، ما أثار انتباه كثير مِن المحامين، خاصّة لكونه مِن الجيل الشاب في النقابة. جرت العادة أن يكون أعضاء هذه اللجنة مِن الكبار في السن، الذين يصفهم بعض المحامين بـ«الديناصورات». في الشكل، هؤلاء يبدون أقرب إلى الصورة النمطية لـ«الحكماء». لكن، في الواقع، هؤلاء قد أصبحوا بعيدين عن الحدث اليومي، وباتوا غير قادرين على مواكبة التطوّرات، حتّى وإن حسنت نياتهم. سعيد علامة هو أحد هؤلاء المرشّحين، وهو عضو حالي في اللجنة، وقد خسر سابقاً في انتخابات مجلس النقابة، حتى بات يُعرف بـ«المرشح الدائم». هو نفسه مَن خسر أخيراً في الانتخابات النيابيّة أيضاً. عموماً، مِن المرشحين في انتخابات «الصندوق» يبرز كلّ مِن: ملحم قانصو، يوسف الخطيب، فؤاد مطر، سعاد شعيب، نايف دياب، سعيد علامة، سعد رنّو، موريس دياب، ريمون جمهوري، جوزف صفير، طوني حوراني، سيمون الطويل وهيكل ضرغام. عدد المرشّحين لهذا «الصندوق» أصبح أكبر مِن عدد المرشحين لعضويّة مجلس النقابة، وهذا ما يعكس، مرّة أخرى، الهاجس تجاه الأزمات الداخليّة في النقابة والخوف مِن تداعيات اقتصاديّة تُهدّد البلاد عموماً، ونقابة المحامين ليست ببعيدة عن هذه الموجة. عادة، لا يُحكى عن برامج انتخابيّة لعضويّة «الصندوق» المذكور، لذا كان لافتاً أن المحامي فؤاد مطر وضع برنامجاً وبادر إلى توزيعه، وفي أحد بنوده يعد بالسعي لـ«رفع مستوى قيمة معاش التقاعد للمحامي، ليتناسب مع الأعباء المعيشيّة المتزايدة، بوضع معادلة ثابتة، هي خمسة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور». كذلك يورد مطر وعداً آخر في برنامجه: «تحسين التقديمات الصحيّة للمتقاعد وربطه بشبكة أمان صحّي، وإعفائه مِن رسوم التأمين، وكذلك التعاقد مع وزارة الصحّة لتأمين الأدوية اللازمة له». كلّ هذا يعكس الهاجس إيّاه. عندما تصل النوبة إلى أن يخشى المحامون على مستقبلهم، وهم أبناء «كار» لطالما حسدهم الآخرون على رفاهيته، فهذا أحد مؤشّرات المخاوف مِن «بكرا» التي يبدو أنه تنتقل مِن مهنة إلى أخرى ومِن قطاع إلى آخر.