في ظل الظروف الإجتماعيّة والإقتصاديّة والسياسيّة الصعبة التي يمر بها لبنان، وفيما يلتهي السياسيون في تشكيل الحكومة، تستمر الوفود اللبنانية في تميّزها بالمعارض العلميّة الدوليّة. وآخر هذا التميّز كان فوز وفد الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث بميداليتين ذهبيتين وميداليّة فضية وثلاث ميداليات برونزية في معرض المانيا الدولي السبعين للاختراعات والأفكار الجديدة (iENA 2018).
لم يأبه طلّاب مدرسة الجمهور(1) ولا طالبات مدرسة "البتول" التابعة لجمعية التعليم الديني الإسلامي(2) للأوضاع في لبنان، وتمكّنوا جميعاً من التوحّد لإظهار لبنان بأبهى صوره في المحافل الدوليّة والفوز بالميداليات.
إختراع طلاب مدرسة الجمهور، Max Pro، هو عبارة عن جهاز يُستعمل لتحويل أي مستوعب مجهّز لنقل أشياء ثمينة ومهمّة بطريقة آمنة وذكيّة. أما طالبات مدرسة البتول فقمن باختراع بدلة التخفّي عن انظمة الرصد الحراري (Anti-Infra-Red and Thermos Military Suit) وهو عبارة عن بدلة مدنيّة-عسكرية ذكيّة تساعد على تدفئة الجندي في الشتاء وتخفيه عن نظر الأعداء، فنِلْنَ ميداليّة المعرض الذهبيّة إضافة الى ميداليّة المخترعين الألمان.
"مشروع للوطن"
بعد حصولها على ميداليّة ذهبيّة من الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث في معرضها العام الماضي، تمكّنت مدرسة البتول من تمثيل لبنان في المؤتمر في ألمانيا بعد تقديم طلابها والأستاذ المشرف ماهر عثمان، اختراع بدلة التخفي عن انظمة الرصد الحراري. في هذا السياق أشار الأستاذ عثمان، في حديث مع "النشرة"، إلى "أننا عدّلنا قليلاً على الإختراع المقدّم في لبنان، وعرضناه في ألمانيا وجرّبناه مستخدمين أجهزة حراريّة ولم نكتفِ بعرضه نظرياً، ما أثار إعجاب المستثمرين الذين زاروا المعرض والدول المشاركة فيه، كما تقدّمت عدد من الشركات الالمانيّة والنمساويّة والفرنسيّة والبولنديّة بعرض لاستثمار الإختراع، إلا أننا رفضنا لأنّ هذا المشروع هو للوطن وليس لنا"، موضحاً "أننا لم ننل المرتبة الأولى لأن لا ترتيب في هذا المعرض بل نلنا ميداليّة ذهبية"، ومؤكداً أن "طلاب مدرسة البتول وطلاب المدارس اللبنانية الأخرى كانوا مثالاً للوحدة الوطنيّة وعدنا منتصرين إلى الوطن".
مساعدة الجيش اللبناني
للبدلة العسكرية هذه مهمّتين، الأولى تدفئة مرتديها ليتمكّن من مواجهة الظروف المناخيّة الباردة، والثانية هي حمايته وإخفائه عن أجهزة المراقبة الحراريّة. من هنا، أوضح عثمان أنه "مع بداية دخول الإرهاب إلى عالمنا العربي، ومع بداية معارك الجيش اللبناني، وبعد مشاهدتي للعسكريين اللبنانيين في أعالي الجرود وتعرضهم لظروف مناخيّة صعبة، طرأت فكرة تدفئة هؤلاء العسكريين في ذهني، فاشترينا مادّة من الصين بتمويل من المدرسة لاختراع بدلة لتدفئة المقاتل، إلا أنها لم تعطِ النتائج المطلوبة، فاستعنّا بنظام الكترو-مغناطيسي لتوليد كهرباء تساعد بطاريّات تمّ وضعها في البدلة لتدفئة مرتديها".
وأضاف عثمان "هنا نجحنا في الجهاز لكن برزت مشكلة جديدة وهي اننا حمينا لابسها من البرد، إلا أنّنا عرّضناه لخطر رصده من قبل أجهزة الكشف الحراري، وبعد دراسات عديدة قمنا بها وبعد توليفة علميّة محددة تمكّنا من تحديث البدلة بصورتها الحالية"، مشيراً إلى "اننا قدّمناها في ألمانيا أيضاً لترتديها فرق الاسعاف والدفاع المدني وفرق "أطباء بلا حدود" إضافة إلى حماية الدبلوماسيين والأمنيين والرؤساء".
وعن صعوبة المراحل التي مرّ بها الأستاذ المشرف والطلاب، شرح عثمان "أننا بعد أن فشلنا في التجربة الأولى شعرت شخصياً بخيبة ،إلا أن رغبتي في خلق شعور الإصرار لدى الطلاب وإصراري على تنفيذ المشروع دفعنا للاستمرار".
غياب الإهتمام الرسمي
في سياق منفصل، أعرب عثمان عن حزنه من طريقة تعامل الدولة مع الطلاب، إذ أن الوزارات المعنيّة لم تستقبلهم في المطار وحتى اليوم لم يتمّ تكريمهم. ولفت النظر إلى ان "المطلوب هو شكرهم، ونحن لا نطلب أي منحة جامعية أو جوائز مالية"، مضيفاً "أُشرف منذ أكثر من 15 عاماً على اختراعات، وما رأيته على مدى هذه الأعوام من عمل لدى الطلاب واصرار لديهم جعلني أتأكد من أن لبنان بخير شرط أن لا يتمّ تهميشهم. إلا أننا وحتى اليوم لم نسمع كلمة شكراً لهؤلاء الطلاب".
في سياق آخر، نفى عثمان ما أشيع من قبل البعض عن إشكال حصل بين وفد لبنان ووفد اسرائيلي، مؤكداً أن هذا المعرض لم يكن فيه جناح اسرائيلي، وموضحاً ان "اسرائيلياً حضر إلى الجناح اللبناني وبدأ باستفزازنا لكننا قررنا عدم الردّ عليه، لأن هدفنا كان أن يستفيد الطلاب من الفرصة التي وصلوا إليها، فقررنا تجاهله إلى أن ملّ وغادر".
يُبدع اللبنانيون مرّة بعد أخرى في المحافل الدوليّة، ويُثبتون أن الإبداع اللبناني تتناقله الأجيال وأن ما ينقصنا فقط في لبنان هو اهتمام رسمي يجعل الطلاب والشباب أكثر إيماناً بوطنهم. فهل ستتحرّك الوزارات المختصّة لتبنّي هذه المشاريع؟!.
1- الطلاب كارل مسلّم، ماركو كرم، جانين بقاعي، ريان ديب نعمة، وليم ابو خليل ويعملن تحت إشراف الأستاذ صادق برق
2- الطالبات جنى محمود حيدر، فاطمة شعلان وريان بزيع وتعملن تحت إشراف الأستاذ ماهر عثمان والأستاذة فاطمة لمع