لم يكُن فوز المرشّح المُستقلّ روجيه ربيز يومَ أمس، في انتخابات نقابة أطباء الأسنان، مُستبعداً. الرجل تسبقه الى النقابة سيرة مهنية «بيضا» على ما يقول الأطباء. لكن ما لم يكُن في الحسبان هو تحوّل التحالف العلني للأحزاب الى معركة سياسية في السرّ. صناديق الإقتراع تحوّلت الى بريد لتبادل الرسائل.
عندَ حوالى الساعة الثانية والربع من بعد ظهر أمس، دُعي أطباء الأسنان إلى قاعة واسعة في البيال ــــ سن الفيل. وقف المرشّحان الى منصب النقيب جورج عون وروجيه ربيز على المنصّة. قبلَ أن يبدأ الأول بكلمته، ارتفع الهمس في المكان: «جورج رح ينسحب»، وبالفعل هكذا كان. أصبح ربيز نقيباً لأطباء الأسنان، بعد فوزه بالمرتبة الأولى من المرحلة الاولى لانتخابات مجلس النقابة (1040 صوتاً) مُتقدّماً على باقي المرشحين. انتصار كبير. هذا ما شعرَ به المرشح المدعوم من الحزب التقدمي الاشتراكي وهو يتوجّه من جديد الى صفوف الأطباء لتقبّل التهاني. تهافَت عليه زملاء المهنة وكأنهم سلبوا الأحزاب جائزة بأن باتَ لهم نقيب «مشهود له» بعلاقته المهنية «مع الجميع من كل التوجهات من دون استثناء». أما الأحزاب فكان مكتوباً عليها الهزيمة المعنوية بالدرجة الأولى، بعد أن حوّلت صناديق الاقتراع الى منصة لتبادل الرسائل السياسية رغم تحالفها في العلن. والنتيجة، ضربة كبيرة للتيار الوطني الحرّ، لكون الفارق بين ربيز وعون لامسَ 300 صوت لصالح الأول، فيما خسر مرشّح آخر للتيار هو منصور الشنتيري، بالإضافة الى خسارة المرشّح عن «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش) لعضوية النقابة عبدلله بخاري. أما الفائزون من لائحة الأحزاب فهم رالف زرازيز (التيار الوطني الحر)، وسامر الرفاعي (تيار المستقبل)، وعاطف نهرا (الحزب الشيوعي)، وعضوان للقوات اللبنانية هما مارون بو كرم والياس يزبك.
حُسمت النتيجة. ربيز لا يزال مُحاطاً بناخبيه وابتسامة واسعة تملأ وجهه. يصعب الوصول الى من يصفه بعض زملائه بـ«الماركسي السابق» للحديث معه. أول مهمّة بعدَ فوزه توزيع الشكر لكلّ فرد أعطاه صوتاً. في الحضور كثير من الأطباء اللبنانيين الذين وصلوا قبلَ أيام قليلة لانتخابه من قطر والكويت وأميركا! هؤلاء كان لهم شكر خاص ودمعة من ربيز الذي يحمِل شعار «نقيب من دون تمييز». فيقول لـ«الأخبار» إنه «سيتعامل بروح إيجابية لأن مصلحة طبيب الأسنان فوق كل اعتبار».
بعيداً عن الشعارات، كان تحليل النتائج الأوّلي يُشير إلى لعبة «لعبها» ربيز مع الأحزاب التي لم تتوصل الى اتفاق التحالف الا قبل ساعات من انتخابات النقابة. انتخابات سبقها خلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، بعد أن دعم الحزب مرشح التجمع الإسلامي لأطباء الأسنان حسام أبو حمدان لمنصب النقيب. تقول مصادر الحزب إن هذا الطرح أتى نتيجة وعد قطعه التيار الوطني الحرّ في الانتخابات السابقة باعتماد مبدأ المداورة الطائفية، لكن التيار عادَ عن هذا الوعد بحجّة أن «قواعده ليست جاهزة لتولّي مسلم منصب نقيب الأطباء»، بحسب مصادر حزبية! نتيجة لذلك، تراجع الحزب عن هذا الدعم وانسحب أبو حمدان، أما حزب الله وحركة أمل اللذان لم يكُن لهما مرشّح لعضوية النقابة، فدعما مرشّح المشاريع على لائحة الأحزاب في الاجتماع الأخير.
في هذا الوقت، كان الأستاذ السابق في الجامعة اليسوعية (ربيز) يستخدم أوراقه كاملة، بحسب ما أجمعت ماكينات الأحزاب. فهو طبيب «سلس» نجح في نسج علاقات قوية وناجحة مع عدد كبير من الأطباء. تسبقه «سيرة مهنية بيضاء» فهو على تواصل يومي مع القواعد، نظراً إلى كونه صاحب معهد طبّي يستقبل فيه كل الأطباء الذين «يطلبون المساعدة، إن لجهة التدريب أو الاحتياجات الطبية». أما في السياسة، فتتحدث الماكينات عن «تركيبة تحت الطاولة جمعت بين تيار المستقبل والقوات والحزب الاشتراكي، أدت الى رفع نسبة الأصوات لأعضاء القوات والمستقبل على لائحة الأحزاب، مقابل تشطيب مرشحي التيار الوطني ومرشّح جمعية المشاريع، وتجيير أصوات كثيرة لربيز ومرشّحة الكتائب على اللائحة المنافسة، إيميلي الحايك، التي حصدت 800 صوت»! وهو الأمر الذي «شكّل صدمة أولى للتيار الوطني الحرّ بشكل أساسي»، فشعر الى جانب حزب الله وحركة أمل بأن «الأحزاب الأخرى تقصّدت توجيه رسائل سياسية للتيار الوطني ولحزب الله وحركة أمل بأن في استطاعتها إدارة اللعبة كما تشاء ضد من تشاء»، فيما اعتبرت مصادر أخرى أن «فوز ربيز يؤكّد أن الصوت النقابي في الانتخابات هو الصوت المعبر، وأن على الأحزاب أن تعيد النظر في طريقة تعاطيها مع قواعدها، بعيداً عن سياسة العسكر».
يتألف مجلس نقابة أطباء الأسنان في لبنان من 12 عضواً، تنتخبهم الجمعية العامة في اجتماعها السنوي العام، وتنتخب نقيباً من بينهم في الجلسة نفسها. مدة ولاية عضو مجلس النقابة ثلاث سنوات، يمكن تجديدها مرة واحدة، في حين لا يجوز انتخابه للمرة الثالثة إلا بعد انقضاء مدة ولاية كاملة على نهاية ولايته.