كرّر الرئيس المكلّف سعد الحريري في اليومين الماضيَين موقفه الثابت أنّ الحلّ في تأليف الحكومة ليس لديه بل لدى الآخرين. لكنه ذهب الى أبعد من ذلك برفضه الأخذ، وفق المعلومات، بنصيحة الوزير جبران باسيل الاجتماع بنواب «اللقاء التشاوري» في «بيت الوسط».
حتى الآن لم يطلب أصلاً أعضاء «اللقاء التشاوري» موعداً من الحريري للقائه. وسيلتقي هؤلاء باسيل في مجلس النواب اليوم، بعد لقاءين منفردين له مع كل من النائبَين فيصل كرامي وعدنان طرابلسي، ويُفترض أن يضعهما الأخير في أجواء نتائج اللقاءات التي أجراها في الأيام الماضية.
وبغضّ النظر عن نفي النائب عبد الرحيم مراد لما أدلى به زميله كرامي في مقابلته التلفزيونية الأخيرة من أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون وخلال لقائه نواب «اللقاء التشاوري» وَصَف قرار الحريري بعدم توزيرهم بـ «غير الحكيم»، فإنّ ما يمكن الجزمُ به وفق معطيات مؤكّدة أنّ عون لم يمانع، لا سابقاً ولا الآن، من أن يتمثّل هؤلاء النواب السنّة الستّة في الحكومة، حتى مع إعتراضه على «الشكل».
وقد أقرّ رئيس الجمهورية بحقهم في التوزير خلال لقائه بهم قبل أيام، كما يؤكّد النائب الوليد سكرية لـ «الجمهورية»، مشيراً في الوقت نفسه الى أنّ «الإعلان عن تسمية ميقاتي لوزير بالاتفاق مع الحريري هو التفاف علينا ولم نكن في أجوائه إطلاقاً».
كل ما في الأمر أنّ عون يريد حلّاً بأيّ ثمن لتأليف الحكومة، لكن ليس لدرجة تلقّي «تلتين القتلة»، مع العلم أنّ خيار «فضّ المشكل» من جانب بعبدا هو أكثر الإحتمالات تقدّماً حتى الآن.
ويريد عون ايضاً أن يتمثّل في الحكومة بكتلة من نتاج خياره «الصافي»، وأن لا يكون لديه «شركاء» فيها. وما انسحب على «التسوية» في شأن المقعد الدرزي الثالث لا يمانع أن يطبّق على الحريري، ومن حصته، وليس من «حصة الرئيس» في ما يتعلّق بمقعد «سنّة المعارضة»، مع العلم أنّ معلومات تردّدت عن طرح باسيل اسم حسن مراد نجل النائب عبد الرحيم مراد كحلّ وسط.
هذا الواقع لا يحجب، في كل االحالات، تفاجُؤ عون بموقف «حزب الله» المتشدّد الى درجة «تأخير» ولادة حكومة «العهد الأولى»!
المطلعون يجزمون في هذا السياق، أنّ الموقف الوحيد الذي عبّر فيه بوضوح عن رأيه في توزير سنّة المعارضة جاء من خلال لقائه الإعلامي في الذكرى الثانية لانتخابه، لكنه موقف إرتبط وثيقاً بموقف سابق أبلغه إياه الحريري من أنّ أيَّ إشارة رئاسية من جانب بعبدا بتبنّي مطلب «اللقاء التشاوري» ستكون كلفته إعتذاره عن التكليف!
ويبدو أنّ ما تردّد عن السير في خيار «تنازل» عون قد لا يمرّ بلا «ثمن»، إذ يشير مطلعون الى أنّ هذا الأمر قد يكون رهناً بـ «إسترداد» عون مجدّداً المقعد المسيحي من الحريري، وبالتالي تسمية وزير 8 آذار من حصة الرئيس المكلّف على حساب «تطيير» وزير الرئيس نجيب ميقاتي من الحكومة، وبالتالي بدلاً من أن يخسر الحريري وزيرَين سنّيين يخسر وزيراً واحداً، كان تنازل أصلاً عنه لميقاتي، وآخر مسيحي!
إقتناع عون وفريقه السياسي بأحقية تمثيل نواب «اللقاء التشاوري»، منح 8 آذار وزيراً سابعاً، بغض النظر عن طائفته، يعود الى أصل «التأليف»: وفق «الأرقام» العونية يحقّ للحريري، صاحب كتلة الـ 20 نائباً، بأربعة وزراء فقط، وليس ستّة كما هو الواقع اليوم!
كل ذلك، لم يُظهّره باسيل خلال مفاوضات التأليف لأنّ الأساس تطمين الحريري وتحصين التسوية الرئاسية والالتزام قولاً وفعلاً بأنّ الغاية الأساسية إيصال رئيس حكومة قوي، وإذا كان لا بدّ من التنازل فليكن «بالاتفاق مع سعد وليس بالفرض».
وتفيد معلومات في هذا السياق، أنّ لقاء الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط ليل الجمعة كان تتمّة للقاء الذي جمع الأخير بباسيل الذي طلب منه خلاله التدخل لدى الحريري لإقناعه بتليين موقفه، مع العلم أنّ علاقة الرئيس المكلّف وجنبلاط تحتاج أصلاً الى «صيانة».
كان الاعتقاد السائد أصلاً في بعبدا أنه مع حلّ العقدتين المسيحية والدرزية ستجد الحكومة طريقها سريعاً الى الولادة لكنّ موقف «حزب الله» الذي لم يكن حتّى حلفاؤه السنّة في صورته بالتفاصيل، قَلبَ الصورة.
في محيط عون وباسيل اليوم مَن يَقول جازماً: «إنّ «حزب الله» لا يعي فعلاً خطورة الوضع الاقتصادي والمالي. الآن نحن لا زلنا في دائرة الأمان، وتحديداً لا خوف على الليرة، لكن مَن يضمن هذا «الستاتيكو» إذا بقي التعطيل قائماً الى ما شاء الله».
الأهم من ذلك، أنّ الحسابات العونية لا تفصل ما يحصل اليوم عن مشهد المنطقة ككلّ. لا يتعلق الأمر بالتحليل «المُستهلك» في إعتبار ما يحصل اليوم فِعل إنتقام ردّاً على العقوبات ولا بعقدة سنّية محصورة بين «بيت الوسط» و«حزب الله».
وبوضوح أكبر تقول مصادر «المطبخ الداخلي» لفريق العهد: «حزب الله» وفيٌ دائماً مع حلفائه. حتى حين كنا نرفع السقوف في مسألة تمثيلنا في الحكومات كان الطرف الآخر يقصد الحزب للضغط علينا، لكن الجواب كان دائماً: «لا علاقة لنا بالأمر، ولن نمارس هذا الدور. «التيار» حليف لنا ونحن ندعم مطلبه»، وهذا ما يحصل اليوم تماماً بين «حزب الله» وحلفائه السنّة».
وتضيف المصادر: «لكنّ الأمر ليس داخلياً فقط وهو أكبر من الحكومة، فالحزب يتصرّف بمنطق المنتصر في الإقليم وهذا واضح، وهناك ترتيبات جديدة في المنطقة ككل الحزب جزء أساسي منها. ونحن نعتقد أنّ جزءاً من هذه الحسابات إعتبار أنّ الحريري لم يعد وحده الآمر الناهي في الحلبة السنّية، بل أصبح هناك شركاء له». يتماهى هذا الواقع مع الموقف الملفت الذي أطلقه باسيل أمس حين طالب بأن «يضع الجميع مصلحة لبنان أولاً لتشكيل الحكومة».
المنطق العوني في هذا السياق قائم على معادلة: «تمثيل سنّة المعارضة محق لكن ليس الى درجة تعطيل الحكومة»! هذا بالتحديد ما دفع باسيل الى حصر الحلّ بثلاثة أطراف محيّداً رئيس الجمهورية.
تختم المصادر: «لقد «قاتل» «حزب الله» بشراسة من أجل قانون إنتخابي يؤمّن وصول حلفائه بهذا الحجم الى البرلمان، فلن يتراجع الآن عن صرف هذا «الشيك»!».