اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن "الشيخ محمد بن راشد صدق في قوله إن الخريف العربي وصف زوراً بالربيع، لأن ثمنه كان باهظاً وتونس هي أحد نماذج هذا الخريف الذي حطّ رحاله في وطننا العربي، فأتى على الأخضر واليابس وكأن تونس تعيش مجدداً عشية فوضى 17 كانون الأول 2010، عندما نزل التونسيون إلى الشوارع تضامناً مع محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه في سيدي بو زيد احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية".
ولفتت إلى أنه "بعد ثماني سنوات يبدو أن لا شيء تغير في تونس، بل ازدادت الأوضاع سوءاً، والفوضى أو ما يطلق عليها الثورة التي كانت أملاً في التغيير نحو الأفضل تبددت على أيدي قوى سياسية لا تنتمي إلى الثورة، وتحديداً حركة النهضة التي قفزت إلى السلطة واستولت عليها، وحولتها إلى مطية للسيطرة على مفاصل الدولة، والخضوع لكل شروط المؤسسات المالية الدولية، ما زاد من مساحة الفقر والتهميش وتصاعد البطالة وتغوّل الفساد وتعيش تونس أزمة خانقة لم يعد بمقدور الشعب تحملها، فالحكومات المتعاقبة وصولاً إلى حكومة يوسف الشاهد الحالية فشلت فشلاً ذريعاً في تقديم الحلول الاقتصادية التي تخفف عن كاهل السواد الأعظم من التونسيين الذين يعيشون شظف العيش والعوز، وتبدو كل الأبواب مغلقة في وجوههم للخروج من جحيم تدهور القدرة الشرائية وتدني مستوى المعيشة، حيث تشير الأرقام إلى أن نسبة البطالة ارتفعت إلى أكثر من 15 بالمائة، وأن 35 بالمائة يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وأن المؤشرات الاقتصادية تتوقع تزايد نسبة الفقر، خصوصاً في صفوف الطبقة الوسطى ما دامت الاختيارات الاجتماعية والاقتصادية ونسبة التنمية السنوية لم تتغير حتى بعد قيام الثورة، إضافة إلى الفساد الذي يستحوذ على مصادر القوة والثروة".
وأشارت إلى أنه "عندما دعا اتحاد الشغل التونسي إلى إضراب عام يوم الخميس الماضي، كانت التلبية شبه شاملة، وشارك فيه أكثر من 600 ألف، نزلوا إلى الشوارع في العاصمة تونس ومختلف المدن يرددون هتافات الثورة الأولى "نريد إسقاط النظام"، و"فلترحل حكومة اللصوص"، و"نريد الخبز والعدالة والحرية" وقد شمل الإضراب كل المؤسسات والإدارات الحكومية والمستشفيات، وشاركت فيه كل النقابات العمالية، وانضم إليه نواب "نداء تونس" و"الجبهة الشعبية" و"حركة الشعب" وهو ما يعيد إلى الأذهان "اعتصام الرحيل" قبل خمس سنوات، حيث تجمع أنصار "النداء" و"الجبهة" مطالبين بإسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي".
وأضافت: "يقول اتحاد الشغل إنه استنفد كل الوسائل بحثاً عن حلول مع الحكومة لزيادة الأجور كي يتمكن الناس من العيش، متهماً حكومة الشاهد بأنها فقدت قرارها السيادي الذي أصبح بيد صندوق النقد الدولي والحكومة من جهتها ترى أنها لا تملك حلولاً سحرية أمام الوضع الاقتصادي المتدهور، وتقول إنها لا تملك تمويل الزيادات وتتساءل من يمولها؟ صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والبنك الإقريقي للتنمية والاتحاد الأوروبي سوف تتوقف عن الدعم الاقتصادي إذا لم نباشر بالإصلاحات المطلوبة".
وتابعت الصحيفة: "يبدو أن المعركة باتت مفتوحة بين حكومة الشاهد واتحاد الشغل، وهما يدركان أن مفاعيل هذه المعركة لا بد أن تنتهي بانتصار أحدهما".