منذ بدء الحديث عن تشكيل الحكومة من قبل الرئيس المكلف الرئيس سعد الحريري جرى اصطناع عقد عديدة عبر تضخيم أحجام من ناحية، ووضع فيتوات على تمثيل القوى الوطنية من ناحية ثانية، وذلك بقصد واضح ومدروس وهو منع ولادة حكومة تعكس نتائج الانتخابات التي جاءت على غير هوى قوى 14 آذار التي خسرت الغالبية النيابية وفقدت القدرة على الاحتفاظ بالسيطرة على الغالبية في الحكومة الجديدة انطلاقاً من أنّ دستور الطائف ينصّ على توزيع الحقائب الوزارية على الكتل النيابية حسب التمثيل الطائفي الذي أفرزته الانتخابات النيابية.. وهكذا جرى بداية رفض اعتماد معايير واحدة وواضحة في التشكيل، وتمّ رفع سقف مطالبة كتلة القوات اللبنانية بحصة تتجاوز حجمها، وهي بدأت بالمطالبة بستة وزراء، فيما الحزب التقدمي تمسك بحصر التمثيل في الطائفة الدرزية به، وكذلك فعل الرئيس الحريري بحصر التمثيل في الطائفة السنية بتيار المستقبل.
هكذا تصرف فريق 14 آذار، وكأنه ربح الانتخابات ولم يخسر الغالبية النيابية، في حين أنّ فريق الثامن من آذار لم يدخل معركة تشكيل الحكومة منذ البداية في إطار فريق واحد حصل على 45 نائباً يجب أن يحصل على حصة حكومية تتناسب وحجمه الفعلي، والذي هو بالتأكيد لا يقلّ عن حجم تمثيل فريق 14 آذار الذي حصل على 44 نائباً.. وفضل فريق 8 آذار أن يخوض معركة التمثيل في الحكومة بالتقسيط، فحسمت حصة حركة أمل وحزب الله من اليوم الأول.. وانتظر حتى حسمت مسألة تمثيل الوزير طلال أرسلان عبر حلّ وسط قضى بتسمية عدد من المرشحين من قبل أرسلان ورئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط وإيداعها لدى رئيس الجمهورية ميشال عون لاختيار اسم يرضى عنه الاثنان، وبهذه الصيغة حصل جنبلاط على وزيرين والمشاركة في تسمية الثالث، وإن لم يكن محسوباً عليه بشكل كامل، الأمر الذي جعله يحظى بحصة تتجاوز حجمه النيابي الذي لا يعطيه أكثر من وزيرين وفقاً للمعيار الذي وُضع في البداية وهو وزير لكلّ كتلة تتألف من أربعة نواب، ثم جرى تعديل ذلك إلى وزير لكلّ خمسة نواب.
وكذلك الأمر تمّ مع القوات اللبنانية التي حصلت في النهاية على أربعة وزراء وهو ما يتجاوز حجمها 15 نائباً الذي لا يعطيها سوى ثلاثة وزراء، مع أنها لم تتمكن من الحصول على ما تريده من حقائب وازنة، سيادية أو خدماتية مهمة، الأمر الذي اعتبر انتكاسة لها.
وعندما جاء الحديث عن تمثيل كتلة النواب السنة الوطنيين الستة من حصة الطائفة السنية، كما ينص الدستور رفض الرئيس المكلف وأعلن أنه لن يقبل بذلك مصراً على مواصلة احتكار تمثيل الطائفة السنية، وكأنه لم يخسر في الانتخابات ولا يزال يحتفظ بنفس الوزن التمثيلي الذي كان يحوز عليه في الحكومات السابقة التي تلت عام 2005، ولأنّ حزب الله وحركة أمل دعما تمثيل حلفائهما في تكتل النواب السنة الوطنيين من حصة الطائفة السنية، وليس من حصة أحد آخر كما كان يتمّ في بعض الحكومات السابقة، اعتبر ذلك هو العقدة التي عطلت إعلان ولادة الحكومة، في حين أنّ العقدة سببها رفض الرئيس المكلف احترام نتائج الانتخابات والقبول والتسليم بحق طبيعي للنواب الستة بتمثيلهم في الحكومة.
إذاً العقدة الفعلية تكمن في محاولة الانقلاب على نتائج الانتخابات ورفض تشكيل الحكومة على أساسها.. وليس في موقف حزب الله وحركة أمل المطالب بحق طبيعي وميثاقي لتمثيل تكتل النواب السنة الوطنيين.