هي مأساة تتكرر كل يوم على طرقات لبنان من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، لا حسيب ولا رقيب وعداد القتلى والجرحى في تزايد. القاتل محترف وواحد وهو حوادث السير التي لا ترحم احداً ولا توفر فئة عمرية فتقتل وتجرح كل يوم عشرات اللبنانيين من الاطفال والشباب والنساء والرجال والشيوخ. اما الضحية فهي اللبناني الذي ان لم يمت بالرصاص العبثي والعشوائي او يمت من وطأة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، مات تحت عجلات الفانات والباصات والسيارات في حوادث مميتة لا ترحم وتخطف خيرة اللبنانيين والشباب والطاقات وتحرمها من اكمال حياتها لتكون ذات شأن مستقبلاً.
ما حصل في الايام الماضية من وفاة لمجموعة شبان في حوادث متفرقة من الطريق البحرية من جونية الى بيروت وعلى طريق تل شيحا سيتكرر في كل منطقة لبنانية طالما ان المعالجات ستكون ارتجالية وعبثية ومن دون خطط طويلة او قصيرة الاجل.
ويشير رئيس جمعية "اليازا" زياد عقل لـ"الديار"، الى اننا نعيش في واقع في لبنان ليست السلامة المروية اولوية فيه. وينعكس هذا الواقع في قانون السير رقم 243 الصادر في العام 2012 والمعدل في العامين 2014 و2016 والذي لم ينفذ حتى الآن وبقي حبراً على ورق الا بعض المواد التي تتعلق بالمواطن. وهناك لجنة وطنية للسلامة المرورية واجازات السوق لا تزال تعطى من دون امتحان والمعاينة الميكانيكية التي يجب ان تكون على الموانىء البحرية قبل دخول السيارات الى لبنان غير موجودة في حين المعاينة العادية في لبنان متوقفة. بالاضافة الى ان الشرطة البلدية غائبة عن تنفيذ القانون وقوى الامن الداخلي تطبق القانون جزئياً عبر رادارات السرعة وهناك غياب لتطبيق القانون في خص مخالفات السير بعكس السير والاشارات الضوئية وعدم ارتداء الخوذة الواقية للدراجات النارية.
ويشدد عقل على اننا امام واقع مأساوي في لبنان وحوادث السير الى تصاعد رغم انها انخفضت في السنوات الثلاثة الماضية لكنها هذا العام عادت الى الارتفاع نتيجة عدم وجود الاهتمام الكافي من المواطن والدولة. ويضيف التجارب في الدول المتطورة علمتنا ان الحد من حوادث السير تتطلب جهداً مشتركاً من الدولة والبلديات والمواطن وفي لبنان هذا الامر غائب ونخشى في العام 2019 كيازا ان ترتفع اعداد ضحايا حوادث السير بشكل مأساوي ومؤلم اذا استمر الواقع كما هو.
ويؤكد الخبير في السلامة المرورية كامل ابراهيم لـ"الديار" ان المشكلة الاساسية في لبنان هي عدم وجود استراتيجية وطنية لمعالجة ازمة السير في لبنان ولتلافي وقوع المزيد من الحوادث. فمنذ عشرين عاماً وحتى اليوم تتكرر المآسي نفسها على طرق لبنان ويسقط ضحايا وترتفع الاصوات والمشهد يعيد نفسه. ويقول ابراهيم ان المسؤولية موزعة بين المواطن والدولة والقانون. فمثلاً لم يؤخذ في القانون الجديد للسير المقر في العام 2012 الا الجانب المتعلق بالضريبة المالية او "الظبط" اي ان مخالفة السرعة تدفع وتذهب الى خزينة الدولة ومن دون ان يخصص جزء منها لاصلاح الطرقات وانارتها.
ويشير ابراهيم الى وجود تفاوت في الارقام والاحصاءات ما يحتم وجود مرصد لاحصاء حالات القتلى والجرحى في حوادث السير.
ويؤكد ابراهيم ان المسؤولية ليست فقط على عاتق الدولة والوزارات المعنية في موضوع السلامة المرورية وفقدان معايير السلامة على الطرقات كجسور المشاة او انارة الطرقات وتوسعتها وتعبيدها بل هناك مسؤولية على المواطن الذي لا يحترم اشارات السير او السرعة القانونية او الاهل بقيادة القاصرين لسياراتهم كما هناك وعند حدوث الكارثة تحميل مسؤوليات ورميها. ويقول مثلاً لا يمكننا تحميل المسؤولية للطريق التي يسلكها 100 الف مواطن يومياً او اسبوعياً اذا سقط عليها حادث او اثنان فربما يكون المتسبب بالحادث خطأ بشري او تسرع او تهور.
في المقابل يؤكد مصدر امني لـ"الديار" ان قوى الامن الداخلي هي المسؤولة عن احصاء عدد القتلى والجرحى وهي التي تحقق ميدانياً في حوادث السير وبالتالي الارقام التي تصدر في نهاية كل عام دقيقة ورسمية.
ويؤكد المصدر انخفاض عدد القتلى والجرحى خلال ثلاث سنوات بمقدار 368 قتيل سنوياً و2450 جريح سنوياً اي من تاريخ تطبيق القانون الجديد للسير.
ويشير الى ان هناك 20 ركيزة يجب ان تعمل لتأمين السلامة المرورية بنفس النشاط والفعالية لكنها ليست كذلك بل تتحمل مؤسسة قوى الامن الداخلي وحدها الاضطلاع بمهام السير ورغم ذلك يسجل انخفاض لعدد القتلى والجرحى.
ويسأل المصدرعن مسؤولية انارة الطرقات وتخطيطها وتعبيدها بالاضافة الى التوعية للمواطن والالتزام بالقوانين كلها مسؤولية مجتمعية وليست مسؤولية شخص او جهة بعينها.
ويقول ان ابرز اسباب مشاكل النقل هي غياب النقل العام المنظم والنقل الخاص العشوائي وعدم الالتزام بالقوانين وقواعد السلامة المرورية. ويشير الى ان من فوائد القانون الجديد انه تم تخريج 50 طالب ts اختصاص خبراء سير وبتعليم القيادة وهذا امر يجب التشجيع عليه وزيادة عدد الخبراء العلميين والمتخصصين.
وفي انتظار صدور احصاءات قوى الامن الداخلي التي تصدر نهاية كل عام تؤكد احصاءات ان عدد قتلى وجرحى العام 2018 حتى الآن هي اقل بـ20 في المئة عن العام الماضي اذ سجلت العام الماضي سقوط 520 قتيلاً وحوالي 5500 جريحاً بينما سجلت الاحصاءات حتى الآن سقوط حوالي 500 قتيل و5000 جريح ، وحتى الآن سجل شهر آب الفائت انه الاكثر دموية حيث سقط فيه 52 شخصاً قتلى وجرح 600 على الطرقات اللبنانية.