عاد التوتّر بين روسيا وأوكرانيا مجدداً نهاية الأسبوع الماضي، لكنه وصل هذه المرّة إلى مرحلة المواجهة العسكريّة، بعدما منعت موسكو ثلاث سفن تابعة للبحريّة الأوكرانيّة من دخول بحر آزوف عبر مضيق كيرتش، ومن ثم حجز السفن بعد اطلاق النار على طاقمها الذي أصيب البعض منه.
جغرافياً، تعتبر المنطقة الذي حصلت فيها الحادثة حسّاسة، إذ انه ومنذ اندلاع أزمة أوكرانيا في العام 2013 ووصولها إلى الذروة في بداية العام 2014 بعد انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، باتت السيادة الروسيّة تحاصر جغرافيّة بحر آزوف من الشرق والغرب والجنوب، ولا سيما ضفاف مضيق كيرتش المتصل بالبحر الأسود. يُضاف إلى ذلك إقدام السلطات الروسيّة على افتتاح الجسر العملاق على المضيق، والّذي يصل بين القرم والضفّة الروسيّة بطول 19 كلم، مدشناً مرحلة جديدة في المنطقة، باتت فيها السيطرة الروسيّة أكثر سطوة، وبدأ معها الروس بتوقيف السفن لتفتيشها.
أوروبياً، طلبت الدول الأوروبية بتخفيض حدّة الصراع بين البلدين والعمل على إيجاد حلّ للأزمة الأخيرة. أما أميركا وحلف شمال الأطلسي "الناتو" فأكدا أن ما حصل هو انتهاك روسي للاتفاقيّات مع أوكرانيا وخرق للتهدئة بين البلدين، ما دفع الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو إلى إعلان حالة الحرب في بلده. فإلى أين ستصل الأمور بين البلدين؟.
في هذا السياق، استبعد الكاتب في وكالة "سبوتنيك" في موسكو حسين سمّور، في حديث مع "النشرة"، أن "تصل الأمور إلى حرب مباشرة بين أوكرانيا وروسيا، لأن طبيعة العلاقة التاريخية بين البلدين، ورغم وجود العداوة منذ العام 2013، لا يمكن أن تصل إلى حدّ الحرب". ووافقه الرأي الكاتب والمتخصّص في الشؤون الأوكرانيّة عباس الصباغ، الذي رأى أن "المواجهة مستحيلة بين الفريقين بسبب ضعف الجيش الأوكراني وعدم قدرته على مجابهة جيش كالجيش الروسي".
دور أميركي في الأزمة؟
بما يخص الدوافع الأوكرانية للإقدام على مثل هذه الخطوات، اعتبر سمّور أن "الخطوة الأوكرانية ليست عبثية بل مدروسة مع أميركا، لأن هذا البلد لا يمكنه تحريك قواته من دون أمر أميركي، وبالتالي يمكن وضع ما حصل في مسار التصعيد الأميركي غير المباشر مع روسيا"، لافتاً إلى أن "التقارير الروسية أكدت أن ما حصل ليس وليد الصدفة، خصوصاً بعد التدريبات المشتركة بين أميركا وأوكرانيا قبل الحادثة بأسبوع، إضافة لتحرّك عدد آخر من السفن الأوكرانيّة من جهة أخرى يوم الحادثة، إلا أن البحرية الروسية أفشلت هذا التحرك".
بدوره، وضع الصبّاغ ما حصل ضمن سياق الأزمة المندلعة بين البلدين منذ العام 2013 وخروج أوكرانيا من الحضن الروسي، وانتقالها إلى المحور الغربي الأميركي بعد وصول بوروشنكو إلى الرئاسة، مشيراً إلى أن "الطبقة الجديدة في أوكرانيا أعلنت العداء لروسيا ما أدى إلى بسط موسكو سيطرتها على جزيرة القرم التي كانت تعتبر منفساً اقتصادياً أساسياً لكييف، وما حصل بالأمس هو تتمّة لهذه الأزمة".
وشدد الصباغ على أن "الصراع الموجود حالياً هو جزء من الكباش الكبير بين روسيا وأميركا، والهمّ الروسي اليوم ينصبّ على ألاّ تنضم اوكرانيا إلى "الناتو" كي لا يصبح الحلف على حدود روسيا"، مضيفاً "أوكرانيا تراهن اليوم على الغرب وعلى أميركا لزيادة الضغوط على روسيا وصولاً لتخلي موسكو عن دعم بعض المجموعات في أوكرانيا".
الإنتخابات الأوكرانية قريبة
في سياق آخر، ربط سمّور الأزمة الأخيرة بالوضع الداخلي في أوكرانيا، لافتاً إلى أن "الانتخابات الرئاسيّة والنيابيّة المقبلة في أوكرانيا باتت قريبة، والرئيس بوروشنكو في وضع مأزوم إذ ان نسبة نجاحه وفق الإستطلاعات ضئيلة، لذا يحاول من خلال هذه الأزمة رفع نسبة مؤيديه نظراً لحجم الكراهيّة الموجود لدى عدد من الشعب الأوكراني لروسيا، كما أنه يرجّح بتفكيره، بعد قرار إعلان حالة الحرب في البلاد، بتأجيل الإنتخابات"، لافتاً إلى أن "هذه الأزمة لن تنتهي وستبقى الاستفزازات الأوكرانيّة لروسيا مستمرّة طالما أن أميركا تستخدم كييف كورقة ضغط على موسكو".
كما ربط الصباغ من جانبه ما يحصل بالإنتخابات الأوكرانيّة، "إذ ان عددا من الشعب الأوكراني بات يحمل نزعة العداء لموسكو، لذا كلّما صعد الرئيس الأوكراني تجاه روسيا كلما باتت حظوظه الإنتخابيّة أكبر"، مشيراً إلى أنه "بعد خسارة أوكرانيا للدعم الإقتصادي الروسي، بات عليها البحث عن مصادر دعم أخرى كالغرب وأميركا".
اشتعلت جبهة روسيا وأوكرانيا مجدداً، وقد تصل الجهود الدولية إلى اخمادها من جديد في ظل عدم رغبة الدولتين في التصعيد أكثر. إلا أن هذه الأزمة قد تتجدد في المستقبل. فهل ستصل الدولتين إلى حلّ ينهي الصراع بينهما؟.