أصيبت إسرائيل بالصدمة والهلع جراء تسجيل المقاومة الفلسطينية في غزة أهدافاً عدة في مرمى العدو الإسرائيلي وفي وقت مبكر من معركة غزة لتحسم بذلك نتيجة العملية العسكرية لمصلحة المقاومة مقابل فشل ذريع أصاب إسرائيل منعها من تحقيق أي من أهدافها في مرمى المقاومة وهذا الفشل تمثل بزلزال أصاب إسرائيل على الصعيدين العسكري والسياسي.
على الصعيد العسكري منيت قوات النخبة الإسرائيلية المهاجمة بخسائر بشرية فادحة لم تكن تتوقعها، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على انتهاء زمن التفوق العسكري الإسرائيلي نتيجة تفكك وتراجع الترابط بين الجهوزية والثقة والعقيدة في الجيش الإسرائيلي.
أما على الصعيد السياسي وهو الأهم فإن الحكومة الإسرائيلية أصيبت باهتراء داخلي كاد يتحول إلى تفكك وتحلل من بعض التحالفات أسفر عن استقالة وزير الحرب أفيغدور ليبيرمان.
كثيرون اعتقدوا أن استقالة ليبرمان جاءت نتيجة طبيعية لفشل القوات الإسرائيلية بالعملية العسكرية، بيد أن الصحيح أن استقالة ليبرمان جاءت نتيجة اختلاف حاد بين ليبرمان الذي صمم على مواصلة الهجوم الإسرائيلي على غزة وبين نتنياهو الذي طالب من باريس بضرورة وقف الهجوم والعودة إلى التفاهمات المعمول بها، بيد أن نتنياهو آثر قطع زيارته الباريسية وقفل عائداً بسرعة إلى تل أبيب، وحقيقة الأمر أن هذه العودة السريعة لم تكن بسبب اندلاع الاشتباكات في غزه بقدر ما كانت بسبب السعي إلى وقف العملية العسكرية الإسرائيلية وأيضاً بهدف لملمة ما يمكن لملمته نتيجة ظهور بوادر جدية تشير إلى قرب تفكك الجبهة الداخلية لإسرائيل وتحلل التحالفات والائتلافات الحكومية والجنوح نحو مسلسل من الاستقالات المتتابعة من الحكومة الإسرائيلية الأمر الذي كاد حصوله.
مصدر روسي موثوق يقول إن نتنياهو لم يكن في وارد إعطاء الضوء الأخضر لأي عملية عسكرية ضد المقاومة الفلسطينية في غزة وإن نتنياهو فوجئ باندلاع الاشتباكات العنيفة على الجبهة الجنوبية مع غزة ويضيف المسؤول الروسي الموثوق: إن قرار تنفيذ العملية العسكرية ضد غزة اتخذ من أجنحة عسكرية سياسية إسرائيلية تسمى الصقور وهي أجنحة أعلنت في أكثر من مناسبة داخلية عن معارضتها لسياسات نتنياهو الخارجية التي وصفت بأنها سياسات لا تخدم إسرائيل بقدر ما تخدم شخص نتنياهو لتعزيز جموحه الهادف للبقاء في سدة الحكم، وينهي المسؤول الروسي الموثوق كلامه واصفاً ما حصل في غزة وإسرائيل بمحاولة انقلاب ناعم على نتنياهو وعلى سياسات حزب الليكود الذي جعل من إسرائيل مجرد خادم وضع كل طاقاته لخدمة أنظمة النفط الخليجي.
نستطيع القول: إن نتنياهو نجح في تقليم أظفار الصقور وفي إبعاد الكأس المرة المتمثلة بمنع تفكك كامل للحكومة الإسرائيلية أو الذهاب نحو إجراء انتخابات مبكرة التي فيما لو حصلت لكان شأنها محاسبة نتنياهو وإحراجه تمهيداً لإخراجه من المشهد السياسي، بيد أن نجاح نتنياهو يبقى نجاحاً آيلاً للسقوط وبحاجة إلى شد عضد الجبهة الداخلية أولاً وأيضاً بحاجة لتسجيل انتصار خارجي من شأنه أن يُنسي الإسرائيليين مرارة الهزيمة التي أصيبت بها إسرائيل في غزة.
ليل الخميس الماضي أضيئت سماء العاصمة السورية دمشق جراء تصدي الدفاعات الجوية للجيش العربي السوري لصواريخ العدو الإسرائيلي التي أطلقها على بعض مناطق العاصمة السورية وضواحيها مدعياً أن الصواريخ وجهت نحو أهداف عسكرية سورية ونحو قواعد عسكرية إيرانية فكانت النتيجة نجاح الدفاعات السورية بإسقاط معظم الصواريخ الإسرائيلية المعادية وحرف المتبقي منها عن مسارها وأهدافها وبذلك تكون قوات الدفاع الجوي السوري قد سجلت انتصاراً بائناً على العدو الإسرائيلي ومنعته من تحقيق أي من أهداف الاعتداء الإسرائيلي على سورية.
فالاعتداء الإسرائيلي كان واسعاً وشرساً بالنظر إلى عدد الصورايخ المعادية وإلى المنطقة الجغرافية الواسعة المستهدفة إضافة إلى مدة العدوان الكبير على سورية العروبة، حيث استمر لأكثر من 90 دقيقة.
إن الاعتداء الإسرائيلي العنيف على سورية كان يهدف إلى:
1- التغطية على الفشل الإسرائيلي المتواصل وخصوصاً بعد هزيمة إسرائيل الموصوفة في غزة.
2- امتحان فعالية وسائط الدفاع السوري في المنطقة الجنوبية من سورية وخصوصاً بعد نصب منظومة الدفاع الروسية الجديدة.
3- صرف الأنظار عن ارتدادات الهزيمة الإسرائيلية على جبهة غزة ومحاولة استعادة صورة إسرائيل التي لا تقبل الهزيمة وإعادة ضبط الجبهة الداخلية بما يضمن تأخير أي مطلب لإجراء انتخابات مبكرة ريثما تسنح الفرصة لنتنياهو في التقاط أنفاسه والهروب نحو زيادة الدعاية الإعلانية بنجاح نتنياهو في تطبيع العلاقات مع عرب الخليج.
إنه الانتصار السوري، فالدفاعات الجوية السورية نجحت في إسقاط معظم الصواريخ المعادية كما استطاعت حرف مسار الباقي منها بحرفية تامة وحالت دون تحقيق أي من أهداف العدوان الإسرائيلي وبذلك تكون سورية قد استطاعت إسقاط إسرائيل في فخ الفشل السحيق مسجلة بذلك انتصاراً سورياً جديداً الأمر الذي سيسهم في تعميق الفجوة بين مكونات حكومة العدو وزيادة في انقسام الجبهة الداخلية للعدو الإسرائيلي وانكشاف العدو داخلياً وتعميق خيبته.
إن إسرائيل وإن استمرت باعتداءاتها فإنها بذلك تتبع أسلوب الهرب من الهزيمة للوقوع في فخ الهزيمة الأكبر وإن أي اعتداء إسرائيلي لن يكتب له النجاح أو تحقيق أهدافه وسيسهم بإغراق العدو الإسرائيلي في بحر من الهزائم والفشل الذريع جراء تعاظم الجهوزية السورية لمواجهة أي اعتداء وزيادة التصميم السوري على منع العدو الإسرائيلي من تحقيق أي من أهدافه في سورية.
إن إسرائيل نتنياهو وإن تجاوزت محنة فشل معركة على الجبهة الجنوبية مع غزة بيد أن إسرائيل نتنياهو ستبقى تعاني محناً مستعصية في جبهات أخرى أكبر وأقوى كالجبهة الممتدة من الجولان حتى منطقة الناقورة في جنوب لبنان إضافة إلى تعاظم وتكاتف محور المقاومة الممتد من إيران مروراً بالعراق وسورية ولبنان إضافة إلى اليمن.
إن إسرائيل نتنياهو في ورطة ونتنياهو نفسه مضطر لإيجاد المخارج التي تنقذه من ورطته، فهل تكون المخارج الإسرائيلية تتمثل بالهروب نحو زيادة وتيرة التطبيع والتنسيق مع عرب النفط الخليجي أم في تمهيد الأرضية والظروف المناسبة للولوج في مشروع سياسي جديد مع الفلسطينيين يحظى بدعم دولي.
يبدو أن نتنياهو يحظى بحماية دولية تماما كما هو الحال مع محمد بن سلمان ومن هنا نستطيع فهم وإدراك حقيقة ربط أمن إسرائيل بأمن السعودية ودفاع نتنياهو المستميت عن محمد بن سلمان وفهم إعلان دونالد ترامب بأنه لولا السعودية لكانت إسرائيل واجهت صعوبات تهدد وجودها.
الأمور صارت أكثر وضوحاً، فإسرائيل لم تعد تمتلك ترف الخيارات فإما الانخراط بعملية سياسية تستطيع من خلالها تقديم بعض التنازلات لمصلحة الفلسطينيين بغطاء دولي، وإما المخاطرة بالبحث عن انتصار عسكري مع اليقين المسبق بانعدام أي إمكانية إسرائيلية لتحقيقه.
بين إسرائيل نتنياهو وبين محاولة انقلاب صقور إسرائيل على نتنياهو تبقى جروح وندوب الكيان الصهيوني نازفة وأياً تكن الخيارات الإسرائيلية فإنها لابد أن تكون خيارات خاسرة.