قبل أن يردّ وزير الداخلية نهاد المشنوق على الوزير السابق وئام وهاب «بدقة، في التواريخ والأحداث»، قاصداً المعطيات التي أدلى بها وهاب خلال مقابلة تلفزيونية بشأن تواصل وزير الداخلية مع السوريين بين 2005 و 2011، أطلّ المشنوق من بيت الوسط في لقاءٍ علنيّ هو الأوّل مع الرئيس سعد الحريري منذ فترة طويلة.
خلاف وهاب مع المشنوق كلاسيكي ومعروف. ورغم رفع الوزير السابق لهجته عالياً بوجه وزير الداخلية في محطات سابقة فإنّ الأخير آثر عدم الردّ عليه والدخول في سجال لا طائل منه.
لكنّ أحداث الجاهلية وضعت العلاقة بين الرجلين مجدّداً تحت المجهر، خصوصاً بعدما أخذ المشنوق موقفاً واضحاً داعماً للرئيس المكلّف ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ومدّعي عام التمييز القاضي سمير حمود، حاملاً على «الاجتهادات السياسية الفتنوية» بشأن وفاة مرافق وهاب محمد بو دياب، متبنّياً بشكل كامل واقعة مفارقة الأخير الحياة بعد تعرّضه لإطلاق نارٍ عشوائيّ «من قبل مسلّحين في الجاهلية»! هكذا قوبل هجومُ وهاب على المشنوق ببيان هو الأول من نوعه لوزير الداخلية يكشف بالتفصيل جدول زياراته الى سوريا.
مع ذلك، بدا كباشُ المشنوق ووهاب كـ «القشرة» السميكة التي تخفي صلب الموضوع، علاقة الحريري والمشنوق. حتى البيان الذي أصدره وزير الداخلية ليل أمس لم يُخفِ «نقاط الخلاف وما أكثرها» مع رئيس الحكومة، كما ورد في البيان، وذلك في معرض تأكيده أنّ مواقفه في السرّ هي نفسها في العلن!
وقد كان لافتاً توجّه وزير الداخلية الى بيت الوسط في اليوم التالي لمقابلة وهاب والذي كشف خلالها أنّ المشنوق كان يقصد دمشق بعد العام 2005، وأنه سعى لدى السوريين عبر وهاب «ليَركب وزيراً للداخلية» متّهماً الأخير بأنه سعى ليكون «البديل» عن الحريري!
الحريري إجتمع على إنفراد مع المشنوق بعدما شارك الأخير في اجتماعٍ مع الوزير مروان حمادة لبحث أوضاع المدارس الرسمية مع الرئيس المكلّف. أهمّيةُ الاجتماع الثنائي أنه ترافق مع إلتقاط صورة للقاء بطلب من بيت الوسط مع العلم أنّ المشنوق لم ينقطع عن زيارة الحريري في الفترة الماضية لكن بعيداً من الإعلام.
وتقول مصادر الحريري في هذا السياق «لقاءُ الرئيس المكلّف مع المشنوق هدفُه توجيه رسالة الى مَن يعنيه الأمر أنّ مَن يفكّر باللعب على وتر الخلافات الداخلية ضمن البيت الواحد فإنّ هذا الأمر لن يؤدّي الى أيّ مكان و»ليطلعوا منها».
وكان لافتاً تبنّي مصادر الحريري للبيان «الدقيق»، كما قالت، الذي أصدره المشنوق حول زياراته الى سوريا «وتحديداً تلك التي قام بها عام 2009 بالتنسيق مع الشهيد وسام الحسن ومعرفة لاحقة من الحريري».
ومن ضمن السياسة «الاستيعابية» المستمرّة لـ «تيار المستقبل» لـ «حالة المشنوق» خصوصاً بعد ظهور الخلاف الثنائي الى العلن، تؤكّد المصادر «أنّ المشنوق يواظب على زيارة بيت الوسط وهناك تواصلٌ مستمرّ مثل أيِّ وزير أو نائب قريب من الحريري، واليوم (أمس) كان للصورة هدف محدّد ومقصود»، مشيرة الى أنّ «العلاقة جيدة مع وزير الداخلية».
عملياً، لم تكن المرة الأولى التي يتعرّض فيها المشنوق لـ «نيران» صديقة وغير صديقة إتّهمته بـ «التعامل مع سوريا» في ذروة الخلاف مع دمشق، وقد إتّخذت منحىً فاقعاً إثر إطلاق مناصرين للمشنوق هاشتاغ «ضمير السنّة» قبل نحو شهرين ما كلّفه ردوداً عليه في بعض المواقع الإلكترونية شكّكت بـ «ولائه» للحريري عبر محاولة فتح قنوات تواصل مع السوريين. يومها لم يُصدر المشنوق بيان ردّ لكنّ المحيطين به لم يتردّدوا في الاشارة بأصابع الاتّهام الى النائب السابق عقاب صقر، وأشاروا الى «غرف سوداء» تدير حملات ضد المشنوق منها «موقع شاهدون» وهو موقع سوري يُشرف عليه المعارض السوري لؤي المقداد ومواقع إلكترونية أخرى.
لكن بغض النظر عن حساب البعض «المفتوح» مع المشنوق والذي يذهب الى حدّ وضع ملف «علاقته» مع سوريا على الطاولة، فإن قريبين من المشنوق يرون أن تدخّل وزير الداخلية «السريع» على خط أحداث الجاهلية يشبه «العملية الانتحارية» تماماً كتلك التي قام بها في دفاعه عن الحريري بعيد تقديم إستقالته من الرياض في تشرين الثاني 2017. يكتسب هذا الكلام أهمية مضاعفة حين لا ترصد مواقف من جانب وزراء ونواب وقيادات رفيعة في «تيار المستقبل» على المستوى نفسه من الحدّة في الردّ على تطورات الأيام الماضية خصوصاً مشهد الجاهلية الذي كاد يلامس الخطوط الحمر.
يقول القريبون من المشنوق أنه «كان من الممكن أن يصدر وزير الداخلية بياناً عادياً، وان يبقى خارج حلبة الهجوم على الحريري خصوصاً أن أي إشتباك مع وهاب يعرّض صاحبه الى الأذى المباشر بسبب طريقته الإستفزازية في الكلام، غير أن المشنوق الذي يعاديه اصلاً وهاب، تصرّف بشيء من النزعة «الحريرية» التي تسكنه ودخل كطرف مباشر حيث أصدر بياناً قاسياً يشبه موقفه بعيد إستقالة الحريري من الرياض، وقد أخذ بصدره الرصاص الموجّه الى الرئيس المكلّف محوّلاً المعركة بين الحريري و»شعبة المعلومات» والقاضي سمير حمود من جهة ووهاب من جهة أخرى الى مناوشات وكباش بينه وبين الوزير السابق».
وفيما يرى مؤيّدو المشنوق أنه نفّذ عملية «إجلاء» لصورة الحريري من «معركة الجاهلية»، فإن علامات إستفهام كبرى لا تزال ترتسم في أفق العلاقة بين الحريري ووزير الداخلية الذي أبقاه تعطيل ولادة الحكومة نصف عام وقتاً إضافياً في الصنائع ممارساً صلاحياته كاملة بعيداً عن مفهوم تصريف الاعمال التقليدي.
فإسم وزير الداخلية الجديد في جيب الحريري بانتظار توقيع المراسيم، لكن هذا الامر لم يمنع المشنوق من تبنّي معركة صلاحيات رئاسة الحكومة وصولاً الى حدّ قول ما لم يقله الحريري علناً لناحية الربط بين «سبت الجاهلية» ومصير تأليف الحكومة: «لن يتراجع الحريري عن صلابته الدستورية في تشكيل الحكومة ولن يعتذر عن مهامه ولو وصلت الضغوط الى قمم الجبال»، معتبراً أن «ما يجري في لبنان منذ أشهر قرار بالتعطيل الفعلي».
كل ذلك لا يحجب الأساس. أساس «المشكل» بين الحريري والمشنوق. وربما لم يحن الوقت بعد لنشر الغسيل فوق السطوح. فالعارفون يجزمون بأن ذيول الانتخابات النيابية لم تنته بعد، خصوصاً أن قريبين من المشنوق يحمّلون ماكينة «تيار المستقبل» مباشرة مسؤولية «الصفعة» التي تلقاها في بيروت.
ويشير مطلعون الى عدّة نقاط خلافية قد تكون ساهمت في توسيع الشرخ بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية ومنها إعتراض الأخير على التعيينات القضائية العام الماضي حيث سجّل تحفظه في محضر مجلس الوزراء بعدما إعتبر أنه «تمّ الغدر بقضاة المحكمة الدولية، فيما حافظ الحريري على حصته فقط من القضاة السنّة تاركاً للمرجعيات المسيحية حصرية القرار في القضاة المسيحيين من دون أن يعتمد المبادلة».
وبالتأكيد فإن قانون الانتخاب شكّل عامل تباعد بين الرجلين خصوصاً أن المشنوق سجّل إعتراضه عليه في مجلس النواب، واصفاً إياه لاحقاً بقانون «قايين وهابيل»، ورافضاً بشكل أو بآخر «أن يسلّم الحريري رقبته للآخرين»، ناصحاً إياه بعدم السير به.
ويبدو أن عدم تخلّي المشنوق عن «خدمات» ماهر أبو الخدود بعد إصدار الحريري قراراً بإقالته من موقعه في «تيار المستقبل» قد ساهم في إبقاء العلاقة الثنائية متأرجحة بين الجفاء وتواصل الحدّ الأدنى، خصوصاً أن أبو الخدود رافق المشنوق في زيارته الرسمية الأخيرة الى السعودية في تموز الماضي.