لم يأتِ تصعيد رئيس حزب "التوحيد العربي" الوزير السابق وئام وهّاب ضد رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري من فراغ. سبق ورصد وهّاب -قبل حادثة الجاهلية- مؤشرات عربيّة، قيل إنها توحي بإمكانية إستبدال الدعم الذي يناله الحريري من عواصم عربية عدة، لتأليف الحكومة اللبنانية، بشخصية أخرى، لم يتظهّر الإتّفاق بشأنها بعد.
ربما، شكّلت تلك المؤشرات الدافع الأساس لوهّاب، من أجل مهاجمة الحريري، خصوصاً أن همساً تردّد في الصالونات السياسية، عن خطوات إماراتيّة، تدور حول الانفتاح على كل القوى اللبنانيّة، والبحث في الاوساط السنّية عن بديل للحريري، في وقت تؤيد كل من ابوظبي والرياض، فكرة الانفتاح، وعدم حصر التمثيل السنّي فقط ببيت الوسط.
يُرصد التوجه الخليجي بالانفتاح على سوريا، الى درجة الحديث عن توسّط أبو ظبي بين دمشق والرياض، لفتح صفحة جديدة بين السوريين والسعوديين، تقوم على اساس إستبعاد دمشق، لا بل مجابهتها للأدوار الاقليمية الأخرى على الأراضي السورية، وخصوصا الادوار التركية-القطرية.
كل تلك المؤشرات عزّزتها تغريدة وهّاب منذ اسابيع، التي غازل فيها السعودية، بدفاعه عن المملكة. فهل بدأ التواصل الخليجي-السوري خلف الكواليس؟ كل المؤشرات توحي بوجود تواصل.
أمّا في لبنان، فأوحى التعامل في قضية الجاهلية بعد الحادثة الاليمة التي اودت بحياة مرافق وهّاب محمد ابو ذياب، بأن ثمة من دفع قوى "٨ آذار" الى احتضان رئيس حزب "التوحيد العربي"، وعدم تركه مجرّداً من الدعم السياسي. الأبرز في هذا المجال كانت خطوات رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" النائب طلال ارسلان، الذي تجاوز كل العلاقات السيئة والمتوترة التي تربطه بوهّاب، وأطلّ بموقف تضامني، تقدم فيه على كل قوى "8 آذار"، فردّ رئيس حزب "التوحيد العربي" التحيّة الارسلانيّة، بخطوة أشمل، قضت بإقتراحه الوقوف خلف "المير طلال" في لقاء يجمع اليهما: الحزب السوري القومي الاجتماعي، والنائبين السابقين فيصل الداود، وفادي الاعور. أي جمع دروز "8 آذار" في تجمع سياسي موحّد. فهل لدمشق علاقة بالجمع؟. نعم، بالتأكيد. هذا ما كان يتردّد على هامش التعازي القائمة في الجاهلية.
لم يترك السوريون وهّاب مكشوفاً سياسياً بعد حادثة الجاهلية، فكان التواصل مفتوحاً معه طيلة الأيام الماضية، ليستخلص رئيس حزب "التوحيد" من خلال ما ورده، "أن سحب البساط الحكومي من تحت الحريري بدأ، وان ما يجري الآن هو البحث عن بديل". فلم يستبعد المطّلعون أن يبقى الأخير في موقعه في رئاسة الحكومة، لكن التواصل الخليجي مفتوح مع كل القيادات السنّية، تحت عنوان: الانفتاح على جميع الشخصيّات، وعدم حصر العلاقات مع آل الحريري لا غير.
فلم يعد رئيس تيار "المستقبل" يملك حصريّة العلاقات الطيّبة مع الرياض، ولا أبوظبي. تقدّم آخرون الى الواجهة، في مرحلة حسّاسة، لا تستبعد فيها أن تقبل العواصم العربيّة المهتمة بلبنان، التعاون مع كل القيادات السنّية، من دون استثناء. ولذلك رسم المطّلعون علامات استفهام حول علاقة الزيارة الاخيرة التي قام بها النائب عبدالرحيم مراد الى الامارات العربيّة، بقضية توسيع البيكار العربي في لبنان؟ وهل فعلاً ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يتحيّن الفرصة للدفع بإبعاد الحريري عن المسؤولية، وتركِها لمسؤول آخر قريب من الرياض؟
أسئلة لا اجوبة محدّدة لها بعد، لكن المؤشرات توحي جميعها بأن هناك دفعاً عربياً-إقليمياً لإستبدال الحريري بآخر يستطيع بتّ التأليف الحكومي بأسرع وقت ممكن. هذا ما التقطه وهّاب، الذي يكمل معركته السياسية ضد رئيس الحكومة المكلّف بالتأليف.