إن أي مدقق في المعطيات والظروف في الجمهورية الإسلامية الإيرانية من ناحية، والواقع الدولي المستجد في أعقاب توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الستة زائد واحد، وتلك التي كانت قائمة قبل توقيع الاتفاق يتبين له وجود عدد من العوامل التي تضعف قدرة واشنطن على فرض حصار صارم على إيران واستطراداً تحقيق ما تصبو إليه من أهداف في عزل إيران وإخضاعها.. فما هي هذه العوامل؟ العامل الأول: نجاح إيران في بناء اقتصاد تنموي زراعي وصناعي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في شتى المجالات الغذائية وصناعة الدواء بما فيها الأدوية للأمراض المزمنة من ناحية، وبناء المشروع النووي السلمي الذي مكنها من إنتاج الطاقة النووية وتحقيق التقدم في المجالات العلمية من ناحية ثانية، وهذا التطور المهم في تعزيز قدرات إيران الاقتصادية والنووية والعملية تم في مرحلة الحصار الاقتصادي السابق على توقيع الاتفاق النووي، ما أشر إلى فشل الولايات المتحدة والدول الغربية في تحقيق أهدافها من الحصار واضطرارها إلى الدخول في مفاوضات طويلة وشاقة مع طهران والتي انتهت إلى التسليم بما كانت ترفضه هذه الدول من حق إيران بامتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية.. ولهذا فإن إيران اليوم هي في وضع أفضل على مستوى القدرة على مواجهة العقوبات الاقتصادية بنسختها الجديدة مما كانت عليه في مرحلة العقوبات السابقة. العامل الثاني: الموقف الدولي.. قبل الاتفاق النووي أي في مرحلة العقوبات السابقة كان الالتزام الدولي بالعقوبات كبيراً ومدعوماً بقرارات من مجلس الأمن الدولي، وكانت كل من روسيا والصين تشتركان في دعم نظام العقوبات، رغم أنهما لم توافقا على بعض العقوبات غير المرتبطة بالبرنامج النووي.. أما اليوم فإن الواقع إنما هو على العكس تماماً؛ فأميركا تقف وحيدة في فرض العقوبات الجديدة من دون حتى دعم حلفائها الأوروبيين، في حين أن الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن، مصادق عليه من قبل مجلس الأمن الدولي، وهذا يعني أن الإدارة الأميركية هي من انقلب على الاتفاق الدولي وان إيران تحترم الاتفاق وتحظى بشهادات وكالة الطاقة الدولية لناحية التزامها في تنفيذ بنود الاتفاق. العامل الثالث: على عكس العقوبات السابقة، فإن العديد من الدول الحليفة للولايات المتحدة أعلنت عدم الموافقة على الالتزام بالعقوبات الأميركية الجديدة وفي مقدمة هذه الدول الاتحاد الأوروبي وتركيا، في حين أن كلاً من روسيا والصين والهند وغيرها من دول البريكس وتلك المنضوية في إطار منظمة شنغهاي باتت أكثر رفضاً للعقوبات الأميركية، لاسيما أن بعض هذه الدول تتعرض لعقوبات وحرب اقتصادية أعلنتها إدارة ترامب ضدها، وجميع هذه الدول أكدت التزامها بالاتفاق النووي.. في حين أن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق أكدت لطهران الاستمرار في تنفيذ تعهداتها تجاه إيران التي ربطت مواصلة احترامها للاتفاق بتنفيذ هذه التعهدات. العامل الرابع: فشل واشنطن في فرض حصار شامل على تصدير النفط والغاز الإيراني.. واضطرار إدارة ترامب إلى استثناء ثماني دول من العقوبات والسماح لها باستمرار استيراد النفط والغاز من إيران، بعد أن تبين لواشنطن أن هذه الدول لن تلتزم بالعقوبات حتى ولو أصرت واشنطن على إجبارها، وان الأفضل استثناؤها حرصاً على هيبة الولايات المتحدة وعدم كسر قرارها.. وأهم هذه الدول هي الصين والهند وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان، وهذه الدول هي الأكثر شراءً للنفط والغاز الإيراني.. ما أشر بشكل واضح إلى فشل الهدف الأساسي من هذه العقوبات وهو تصفير الصادرات النفطية الإيرانية بقصد حرمان طهران من أهم مصدر من مصادر دخلها. لأن هذه العوامل جعلت العقوبات تتعثر منذ بدء تنفيذها سارعت مجلة فورين بوليسي المعروفة في الولايات المتحدة إلى التنبؤ بفشلها والقول: «بفضل استمرار واردات الصين والهند وتركيا وغيرها من الدول من هذا النفط لا يزال الإيرانيون يبيعون أكثر من مليون برميل في اليوم، أي أكثر بقليل مما كانوا عليه عندما تم رفع العقوبات الأميركية عام 2015».. وحتى ولو نجحت واشنطن في فرض حصار شامل على تصدير النفط الإيراني فإن مثل هذه العقوبات سوف تلحق الضرر بالمصالح الأميركية في المنطقة حسب قول " بوليسي".