الشوق للخلاص والحضور الالهي في التاريخ وبين الناس هو عطش كوني في جميع المجتمعات كعطش الأيل الى مجاري المياه. إنه فعل تأسيسي.
المعطوبيّة والزوال يعصفان في قعر الوجود البشري ويولّدان توقًا الى الخلاص وشهوة الشفاء والسكينة للكائن البشري، العطشان الى الاستمرار في مشاهدة البهاء الالهي هذا هو الظمأ الوجودي الانطولوجي في قلب الكائن البشري.
بالميلاد يتجسد المخلص في بيت لحم محققا حلم البشرية والكون والبشر أجمع، متمما رجاء الاباء القديسين، محققا رؤى الانبياء الملهمين.
جميع الشعوب تشتاق الى الله
الشعوب بأسرها يحرق قلبها شوق كوني للقاء الاله والخروج من القلق والتساؤل. فتأنّس الله ليؤلّه الانسان وليعزّيه ويبعد عنه الوجع من جرحه المفتوح والنازف لهفة للتألّه والبقاء واتفاق طاحونة زمن الزوال والفناء. الميلاد قادم اليك فاذهب اليه. يسوع قادم اليك فاذهب لملاقاته.
بالميلاد كشف الله لنا عن وجهه
منذ فجر التاريخ ينتظر الانسان على مفارق الكون والزمن والمجتمعات تحقيق وعد الله بالخلاص، راجيا أن تقطر السماوات بالاله الفادي والمخلص. انه يدعوه من أعماق الظلام: تعال يا سيّد وحوّل كل شيء جديدا. إكشف لنا يا الله عن وجهك الحق انك الله، محبة صورتك يا الله تجلت على وجه طفل في المغارة وفي وجه كل إنسان.
بالميلاد سقط البرقع وظهر في وجه الطفل العجيب وجه الله المحتجب الذي كان في البدء، الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي تأمّلناه ولمسته ايدينا من جهة كلمة الحياة، لان الحياة قد ظهرت ورأيناها. كانت عند الاب فظهرت لنا (ايوحنا 1/ 1-2)، تأنّس الاقنوم الثاني من الله واسمه يسوع المسيح فصار الله معنا.
الله معنا
"الميلاد سر الله "الله معنا"، عمانوئيل الاقنوم الثاني من عائلة ثالوث السماء يُضْحي ابنا في عائلة ثالوث الناصرة وفي كل عائلة" (زمن الميلاد المجيد صلوات المساء والصباح ونصف ونصف النار الكسليك 1977).
الميلاد هو سر الله معنا عمانوئيل
منذ فجر التاريخ والانسان ينتظر عودة مهدوبة، عودة الى البراءة الاولى البعيدة عن الخطيئة والدنس، إياب الى نظام نقائنا الاول لحظة خروجنا من يد الله باحالة كينونية لاعطب فيها ولا كسر. "انتسب يسوع الى عائلتنا البشرية يجعلنا ابناء عائلته الالهيّة وهذا هو لاهوت التجسد.
وتجسد لاجل خلاصنا، حيث في الميلاد قصة حب الله لنا. هنا تلتقي الثيولوجيا بالانتروبولوجيا بالببليا بالانطولوجيا وبالوجودية في مدار سلام وخلاص يغيّر وجه الانسان والتاريخ والعالم، لأنّ كل شيء أصبح جديدا، الروح قد جدد كل شيء واصبح نظام العالم الجديد، هو انجيل "الطوبى"، وقد اخذ يسوع وجه المريض والغريب والعطشان والجائع والمشرد والغريب. ويكفي لندخل هذا الملكوت أن نسقي كأس ماء بارد باسمه.
اخرجوا من مغاور حقدكم
من هنا يدعونا الميلاد الى العطاء. والمشاركة والخروج من انانيتنا والذهاب الى ملاقاة الاخرين بمحبة، والا لن نكون في الميلاد. اذا بقينا نسكن مغاور حقدنا وكرهنا وحسدنا وبغضنا والغرق بانانيتنا وكبريائنا والسهر فقط على رفاهيتنا وقربنا الف لعازر تلحس الكلاب قروحهم وهم بشر مثلنا واخوة يسوع.
الميلاد ليس ثيابا جديدة
بالميلاد الكون تحرّك، الملائكة من السماء، الرعاة من البراري، المجوس من المشرق، والنجوم من الأفلاك. وقد أتوا يقدمون عطاياهم للطفل الإله كل على قدر ما عنده. فهلاّ قدّمنا مما عندنا لاخوتنا الناس، والا تحول الميلاد الى ثياب جديدة وزينة وأضواء وأنوار ومغارة وهدايا "بابا نويل" وحبش وحلوى الميلاد (Buche De Noel). واعطينا للاخرين سلاما وفرحا.
اذهبوا للمرضى والجائعين
العالم جائع الى السلام والفرح، كما هو جائع الى المأكل والمشرب والملبس. فهل لبسنا ثوب المسيح وذهبنا الى الشوارع والازقّة نقدّم مما عندنا للجائعين والموجوعين والمرضى والمتألمين والغرباء والحزانى والمساكين، والا لن يأتي يسوع الى قلوبنا ووطننا وبيوتنا ولا قرعت اجراس الميلاد في الهواء، ولن يقرع جرس الميلاد في قلوبنا محبة، وعلى ايدينا كرما وعطاء وميلاد انسانية جديدة وعالما جديدا في سر الكلمة المتجسد الذي يلقي الاضواء الحقة على سر الانسان. المسيح هو "صورة الله غير المنظورة" أيّ الانسان الكامل، الذي رمّم فينا المثال الالهي المهشّم بالمعصية والخطيئة، اعادنا يسوع بتجسده الى براءتنا الاولى ونقائنا الاول. في المسيح يسوع كمال الله لنا كلمته ولم يعد عنده كلمة أخرى يقولها لنا بعد تجسد وميلاد ابنه الحبيب الذي ارسله لنا رحمة لخلاصنا. اعطني يا رب أن اعيش تجسدك في محبة ورحمة وعطاء.