يمنح الدستور لرئيس الحكومة صلاحيات واسعة في إدارة الشأن الحكومي منذ نيل حكومته الثقة.
فوفقاً للمادة 64 هو «يمثلها ويتكلم باسمها ويُعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء»، وهو «يطرح سياسة الحكومة العامة امام مجلس النواب»، وهو «يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد ويضع جدول اعماله «، وهو «يتابع اعمال الادارات والمؤسسات العامة، وينسّق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل». وتنحصر صلاحيات رئيس الجمهورية منذ نيل الحكومة الثقة، بكونه يملك حقوقاً لا صلاحيات.
فهو بموجب المادة 53 من الدستور «يترأس مجلس الوزراء عندما يشاء دون ان يشارك في التصويت»، و»يعرض أي امر من الامور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الاعمال « و»يدعو مجلس الوزراء استثنائياً، كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة»، لكن القرارات تُتخذ في مجلس الوزراء، الذي يشكّل السلطة الإجرائية، ويحتاج اتخاذها إلى التوافق وإلّا فالتصويت بالأغلبية وفي حالات خاصة بأغلبية الثلثين. لكن دائماً لا تُعتبر جلسة الحكومة دستورية من دون اكتمال نصابها بثلثي الحضور من أعضائها، وفقاً لمرسوم تشكيلها، وعندما تطال حقوق رئيس الجمهورية، وليس صلاحياته، طلب إعادة النظر بمراسيم وقرارات وأو مشاريع قوانين، فهو يبقى محكوماً للقرار الذي سيتخذه مجلس الوزراء بأغلبيته المطلقة وأحيانا بأغلبية الثلثين، ولكن دائماً بحضور الثلثين من أعضاء الحكومة ليتحقق النصاب المطلوب لدستورية الجلسة .
هذا يعني عملياً، أنّ رئيس الجمهورية الذي لا ينتبه لكيفية تشكّل الثلثين في أي حكومة، سيوقّع على مرسوم تشكيلها، يرتضي ضمناً أن يمضي السنوات الست لرئاسته مجرد شاهد على ممارسة سلطة مطلقة لرئيس الحكومة، تحول دون أن يبر رئيس الجمهورية بالقَسم الذي يؤدّيه، عندما يمسك بأزمة الحكم كما تقول المادة 50 التي تنص ّعلى أنّه «عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمّة الحكم، عليه ان يحلف امام البرلمان يمين الإخلاص للأمّة والدستور بالنص التالي: أحلف بالله العظيم اني احترم دستور الامّة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه»، فيما تقول المادة 49 انّ «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه وفقاً لأحكام الدستور»، فكيف له أن يضمن هذه المسؤولية التي يُحاكم على التخلّف عن أدائها بتهمة الخيانة العظمى، ما لم يكن قد زوّده الدستور بالصلاحية اللازمة لتحمّلها، والقاعدة الدستورية التي تقول لا مسؤولية بلا صلاحية لا جدال حولها ولا إشتباه فيها؟
يمنح الدستور رئيس الجمهورية صلاحية من نوع آخر لممارسة الحكم، الذي يسمّيه «عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم «، وهي صلاحية لا نجدها في دوره في تسمية رئيس الحكومة، وبالتالي ضمان حكومة له تأثير على طريقة تشكيلها وتوازناتها في تشكل ثلثيها، من خلال اختياره المفترض لرئيسها. فهذه التسمية للرئيس المكلّف تعود لمجلس النواب وليس لرئيس الجمهورية وفقاً للمادة 53 التي تقول «يسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً الى استشارات نيابية مُلزمة يطلعه رسمياً على نتائجها»، وصلاحية التسمية مناطة بالنواب حصراً، لتنحصر صلاحية رئيس الجمهورية في حق آخر يمنحه له الدستور. فهو وفقاً للفقرة 4 من المادة 53 «يُصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة، ومراسيم قبول استقالة الوزراء او إقالتهم». ولعلّها الصلاحية الوحيدة التي على رئيس الجمهورية أن يضمن من خلالها صدق أدائه لقسمه الدستوري، وتحمّله ما يسمّيه الدستور، القبض على أزمة الحكم. ولعلّ التوازن الضمني الذي أقامه الدستور في طريقة إستقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلة، بين حالتي إستقالة رئيسها أو إستقالة أكثر من ثلث أعضائها، إشارة إلى نوع الضمانة التي على رئيس الجمهورية توفيرها لممارسة صلاحياته الدستورية، وهي التيّقن من وجود أكثر من ثلث الوزراء قد تمّ إختيارهم بما يضمن عدم تحويل طرحه لبند في جدول أعمال الحكومة أمراً شكلياً، ويضمن عدم دعوته لمراجعة مرسوم أو مشروع قانون رفعاً للعتب، وضمان ممارسته لمشاركة متوازنة مع رئيس الحكومة في الحكم، وهذه هي مهابة رئيس الجمهورية التي تصير بلا قيمة إذا لم يتحقق هذا الضمان .
الحكومة التي تتحول إلى سلطة إجرائية كاملة الصلاحيات بعد نيلها الثقة، محكومة بتشكيلها بتوافق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على قيامها، لتصدر مراسيم التشكيل، وفقاً لصلاحية حصرية للرئيس المكلّف في عرض تشكيلته المقترحة على رئيس الجمهورية، بعد إجرائه للإستشارات النيابية، التي لا يصفها الدستور بالملزمة بنتائجها للرئيس المكلّف، كما يفعل في ما يخص الإستشارات التي يجريها رئيس الجمهورية لتسمية الرئيس المكلّف، ما يعني أنّ مرجع تسمية الرئيس المكلّف يبقى مجلس النواب، فيما مرجع التأليف يبقى الرئيس المكلّف وليس النواب الذين قام باستشارتهم طالما سيعود إليهم طلباً للثقة.
رئيس الجمهورية المعني بضمان ممارسته للحكم من خلال تشكيلة الحكومة، عبر التيّقن من وجود أكثر من ثلث أعضائها من الذين يوفرون له الحماية والحصانة لمهابته ومواقفه وتحويل حقوقه الدستورية إلى صلاحيات، تؤثر في مسار العمل الحكومي، معني بمراقبة توافق التشكيلة التي يعرضها الرئيس المكلّف أمامه مع معايير الدستور، خصوصاً لجهة ما تنصّ عليه مقدمة الدستور، والمادة 95 منه، سواء لجهة توازن التشكيلة الحكومية بين الطوائف والمناطق ومكوناتها السياسية، أو لجهة مراعاتها لميثاق العيش المشترك. فماذا لو لم يجد رئيس الجمهورية في الصيغة التي يقترحها الرئيس المكلّف، تحققاً لهذين الشرطين، مراعاة تمكينه من ممارسة صلاحياته وتحمّل مسؤولياته الدستورية، أو مراعاة التشكيلة الحكومية للمقتضيات الدستورية؟
لا يملك رئيس الجمهورية سحب تسمية الرئيس المكلّف، لأنّه ليس صاحب صلاحية التسمية إلا بموجب الإستشارات النيابية الملزمة. ولا يحق لرئيس الجمهورية كمسؤول وحيد عن حماية الدستور والوطن، ترك البلاد بلا حكومة، كما لا يجوز له التساهل في شروط تشكيل الحكومة تسهيلاً لولادتها، وتحمّل مسؤولياته الدستورية دون مراعاة الشروط الواجب توافرها في تشكيل الحكومة. فماذا عساه يفعل سوى التوجّه لمجلس النواب صاحب صلاحية التسمية، ليس بالضرورة طلباً لمطالبة الرئيس المكلّف بالإعتذار أو للتصويت على توصيات تتصل بمراعاة معايير معينة في تشكيلته المقترحة لرئيس الجمهورية، أو لمساءلة الرئيس المكلّف، بل لرفع المسؤولية الدستورية عن رئيس الجمهورية، بوضع العهدة بين أيدي أصحابها الأصليين، واستخدام الحق الدستوري المنصوص عنه في الفقرة 10 من المادة 53 التي تمنح رئيس الجمهورية حق أن « يوجّه عندما تقتضي الضرورة رسائل الى مجلس النواب».
أما الرئيس المكلّف، فعليه أن يضع في حسابه أنّه بموجب فقرات المادة 64 معني بضمان التوافق مع رئيس الجمهورية لصدور مراسيم تشكيل حكومته وبضمان الحصول على الثقة النيابية لهذه الحكومة. فهو وفقاً للدستور «يُجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة ان تتقدّم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة، الا بالمعنى الضيّق لتصريف الاعمال».