بعد أن بلغت خسائر الحكومة الفرنسية حدا كبيرا بسبب الاحتجاجات التي انطلقت في باريس وغيرها من المدن، جمّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر رئيس حكومته قرار زيادة الضرائب على المحروقات، قبل أن يتخذ قرارا بإلغائه. ولكن لم تتوقف التحرّكات في الشارع بل ارتفعت وتيرتها فشارك أكثر من 30 ألف فرنسي في تظاهرات باريس الاخيرة.
دفعت هذه التطورات ماكرون لاتخاذ إجراءات إضافية علّه ينهي حركة الاحتجاج، فكان خطابه الاخير محاولة ثانية لكبح حركة السترات الصفراء، وطلب من الحكومة والبرلمان الفرنسي القيام بما يلزم ليحظى كل مواطن فرنسي بعيش كريم. ومما قاله ماكرون للفرنسيين بعد أن شدّد على أن الغضب والاحتجاج لا يبرران الشغب والهجوم على رجال الشرطة: "سنعمل على زيادة الحد الأدنى للأجور اعتبارا من مطلع العام المقبل بقيمة 100 يورو شهريا، وسيتمّ إدخال حوافز ماليّة وتدابير عاجلة لمساعدة من تقلّ رواتبهم عن 2000 يورو"، لافتًا إلى أن "لا ضرائب على العمل الإضافي في الفترة المقبلة".
بعد وعود ماكرون، ظنّت الحكومة الفرنسيّة أن التحركات ستنتهي، ولكن جاء بيان حركة "السترات الصفراء" حاسما: "خطاب ماكرون غير مقنع وستواصل الاحتجاجات". بهذه الكلمات كان الرد على الرئيس الفرنسي، اذ لم يعذّب المحتجّون أنفسهم بتفنيد خطاب الرئيس، فالهدف بالنسبة لهم لم يعد إلغاء قرار الضرائب على المحروقات.
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشؤون الفرنسية تمام نور الدين أنّ حركة الاحتجاج مستمرّة ولن تتوقف، خصوصا ان المطالب أصبحت في مكان آخر يختلف تماما عن الأمور التي تظهر في الشارع. ويضيف نور الدين في حديث لـ"النشرة": "كان من الممكن أن ينفع كلام ماكرون منذ شهر ولكنه اليوم لم يعد كذلك فالناس أصبحت تطالب بالمزيد، وبدأت تنتقل من المطالب الاقتصادية الى المطالب السياسيّة.
يرى الفرنسيون أن وعود ماكرون بزيادة 100 يورو على الحد الأدنى للاجور لا يستفيد منه من يقبض اكثر من الحد الادنى ولا من يقبض أقلّ منه، كذلك فإنّ الذين ينالون راتبا يفوق 2000 يورو شهريا لم يطالهم أيّ شيء من وعود ماكرون. وفي هذا السياق يكشف نور الدين أن "الفتات" لن يُرضي الشارع الفرنسي، وبالتالي التحركات ستستمرّ بنفس الوتيرة لا بل يمكن أن تتصاعد.
لم تعد الأزمة اقتصاديّة حصرا، بل أصبحت سياسيّة وفيها المطالبة بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة. يقول نور الدين: "عندما جاء ماكرون رئيسا كانت الناس تثق به فصوتت بالانتخابات البرلمانية للوائحه، الا أنهم اليوم وبعد ان فقدوا ثقتهم بالرئيس وجدوا أن المجلس النيابي الحالي لا يمثل الفرنسيين"، مشيرا الى أن المطالب ستكون أيضا تعديل القانون الانتخابي لانه لا يعكس التمثيل الحقيقي اذ من غير المقبول بالنسبة للفرنسيين أن مارين لوبان التي نالت 10 ملايين صوت بالانتخابات الرئاسيّة تتمثل فقط بثلاث نواب في البرلمان.
ويشير الى أن المطالب السياسيّة الأساس لن تكون استقالة ماكرون ولو أننا سنسمع بعض الأصوات المطالبة بهذا الأمر، ولكن الطلب بحل المجلس النيابي وتعديل القانون الانتخابي ليكون النظام الفرنسي برلمانيا على اساس قانون انتخاب نسبي.
لا علاقة للسيّاسة الخارجيّة بما يجري داخل فرنسا، الا اذا اعتبرنا أن المطالب المتعلقة "بالمهاجرين" خارجيّة، الأمر الذي ألمح اليه ماكرون في خطابه الأخير. ومما لا شكّ فيه ان الجمهور الفرنسي يتجه نحو "اليمين"، وبنفس الوقت يشكّل "اليسار المتطرف" حالة فريدة بالتظاهرات فيفجّر كرهه للرأسماليّة والمصارف عبر التحطيم والتخريب، فإلى أين تتجه الأمور في فرنسا؟!.