حسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الموقف من وجود "قوات سوريا الديمقراطية" في شرق الفرات، بعد الإعلان عن عملية عسكرية تبدأ خلال أيام، لكن حتى الساعة لم تظهر أي مؤشرات على أن الولايات المتحدة الأميركية موافقة على هذه الخطوة، مع العلم أنها في السابق كانت تؤكد لأكراد سوريا أنها تحمي وجودهم شرق الفرات، على عكس ما هو الواقع في غربه، حيث لم تتدخل لحمايتهم من الأتراك في عفرين، وطلبت منهم الإنسحاب من منبج بعد تحريرها من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، قبل أن تبرم إتفاقا مع أنقرة على تسيير دوريات مشتركة في المنطقة.
وعلى الرغم من التقارير الإعلاميّة التركيّة بأنّ حزب "العدالة والتنمية" الحاكم يريد، بالإضافة إلى حليفه حزب "الحركة القوميّة"، هذه العمليّة قبل الإنتخابات المحليّة المقبلة، المقرّرة بعد نحو 3 أشهر، إلا أن السؤال عن موقف واشنطن يبقى هو الأساس، نظراً إلى أن تصعيد أنقرة دون موافقتها يعني المغامرة بخسارة أو توتير العلاقات معها، التي كانت قد بدأت بالعودة إلى مسارها السابق بعد الإفراج عن القسّ الأميركي آندرو برانسون، في حين كانت الحكومة الروسيّة تتهم الولايات المتحدة بالسعي إلى إقامة دويلة بمساعدة الأكراد في شرق الفرات منفصلة عن الدولة السورية!.
في الاسبوع الماضي، زار الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأميركية جايمس جيفري أنقرة، حيث ركز حديثه مع المسؤولين الإتراك على الملفات ذات الإهتمام المشترك في الشأن السوري، لا سيما في ما يخص منبج وشرق الفرات، إلا أن صيغة البيان الذي صدر عن فريق العمل المشترك، أظهرت أن الخلافات لا تزال كبيرة بين الجانبين، لا سيما بالنسبة إلى الخطّة الأميركيّة الحاليّة لتثبيت نقاط مراقبة على طول الحدود، من دون وعود واضحة المعالم لإضعاف نفوذ "وحدات حماية الشعب" الكرديّة على امتداد الأراضي السوريّة بين نهري دجلة والفرات.
في السياق نفسه، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن أنقرة كانت قد بدأت بالتحضير لهذه العمليّة منذ فترة طويلة، وهي كانت قد استقدمت، منذ مطلع شهر تشرين الأوّل الماضي، تعزيزات عسكريّة إلى المناطق المتاخمة لتل أبيض الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطيّة"، التي من المتوقع أن تكون نقطة إنطلاق العمليّة العسكريّة.
بالتزامن، تلفت هذه المصادر عن إجتماع عقد على الأراضي التركية قبل أيام، ضم مجموعة من القادة العسكريين في "الجيش السوري الحر"، في إطار التحضير لهذه العمليّة العسكريّة، وتذكر بأنّ أردوغان سبق له أن حدّد، قبل أشهر، 4 مناطق كهدف لعمليّة عسكريّة ستقوم بها بلاده، هي: عين العرب، تل أبيض، رأس العين والحسكة.
في المقابل، تربط مصادر مقرّبة من "قوات سوريا الديمقراطيّة"، عبر "النشرة"، بين التهديدات التركيّة والعمليّة التي تقوم بها القوات ضد "داعش" في هجين، معتبرة أنّ الهدف إطالة عمر التنظيم الإرهابي، الذي يحظى بدعم أنقرة منذ البداية ولا يزال حتى اليوم، وتؤكد بأنه سيتمّ التعامل مع هذه التهديدات بجدّية كاملة.
من جانبه، أعرب رئيس المركز الكردي للدراسات في ألمانيا نواف خليل، في حديث لـ"النشرة"، عن إعتقاده بأن أنقرة لن تستطع الحصول على ما تريد من الولايات المتحدة، لافتاً إلى أكثر من مؤشر على هذا الأمر، منها إعلان "البنتاغون" عن الحاجة إلى تدريب 40 ألف مقاتل محلّي في سوريا، وسأل: "أيّ خطر من الممكن أن تشكّله قوات سوريا الديمقراطيّة على تركيا التي تعتبر من أبرز أعضاء حلف شمال الأطلسي"؟، مشيراً إلى أن واشنطن سعت إلى طمأنة أنقرة عبر نشر نقاط مراقبة على الحدود.
وفي حين لفت خليل إلى أن قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الموجودة على أرض الواقع تعرف حقيقة الأوضاع، اعتبر أن أيّ عملية عسكرية ستمس بالهيبة العسكرية الأميركية، لكنه لم يستبعد أن تقدم تركيا، عبر بعض "المرتزقة"، على التوغل إلى بعض النقاط التي لا يتواجد فيها جنود أميركيون، متسائلاً عن الأسباب التي منعت تركيا من التحرك عندما كانت عناصر "داعش" تسيطر على الحدود معها، مؤكداً أن الرهان الأساسي هو على إستعدادات "قوات سوريا الديمقراطية".
في المحصّلة، العمليّة العسكريّة التركيّة في شرق الفرات، ستكون تحدياً لواشنطن بالدرجة الأولى، نظراً إلى أنها الداعم الأساسي لـ"قوات سوريا الديمقراطيّة"، فهل يستطيع أردوغان المغامرة بهذا الأمر، مع العلم أنه أكّد أنها لا تستهدف الجنود الأميركيين؟!.