هل كان النوّاب السنّة الستّة يتوقعون أن يشكّل لقاءهم التشاوري بيضة القبّان السياسية في لبنان؟ ببساطة، ظهر أن الجمع فرضته مصلحة آنية، ولّت بعد ترسيخ معادلة حكومية: لا غالب ولا مغلوب، ولا فرض ولا رفض.
من هم بالأساس؟ النائب عبدالرحيم مراد- فاز في الانتخابات النيابية بقدراته الشعبية، وبدعم الثنائية الشيعية له في البقاع الغربي. لم يذب في كتلة، رغم انه من اركان "قوى 8 آذار"، لكنه ابقى علاقاته القائمة جيّدة مع السعوديّة والامارات عبر مصر، فتمايز عن حليفه "حزب الله" في مقاربته للملفات الاقليمية، بإستثناء سوريا التي يرتبط مراد بعلاقة قوية مع قيادتها، وسبق ان حاول تقريب وجهات النظر بينها وبين الرياض في السنوات الماضية.
النائب فيصل كرامي ينخرط في تكتّل يقوده رئيس تيار المردة سليمان فرنجية عبر نجله النائب طوني فرنجية. يرتبط كرامي بتحالف وثيق مع "حزب الله"، وسبق ان قدّم له رئيس المجلس النيابي نبيه بري مقعدا وزاريا للشيعة، وحقيبة من حصة حركة "أمل"، لكنه يحاول التودد للسعودية بإستمرار، رغم عدم قطعه العلاقات مع دمشق.
النائب جهاد الصمد(تكتل فرنجية). فاز بقوّته الشعبية من دون دعم، فهو يرتبط بحلف وثيق مع "الثنائية الشيعية" وسوريا، ولا يقيم علاقات مع الدول الخليجية، ويصنّف في خانة السياسيين السنّة الأشداء الذين حاربهم تيار "المستقبل" ولم يستطع منعهم من الوصول الى ساحة النجمة في الانتخابات الماضية.
النائب قاسم هاشم، محسوب على حزب "البعث السوري"، وينتمي لكتلة "التنمية والتحرير التي يرأسها بري، من دون ان يغرّد خارج هذا السرب منذ وصوله الى ساحة النجمة منذ سنوات طويلة. علما ان بري هو من تمسك مراراً بترشيح هاشم في دائرة مرجعيون-حاصبيا الانتخابية، وقدّم له دعماً متواصلاً، أثمر فوزه في الانتخابات في كل المرّات، وكان يُعتبر وديعة القيادة السوريّة عند بري.
النائب الوليد سكرية، محسوب بالكامل على "حزب الله"، ويذوب في توجّهاته السياسية، من دون أي حراك خارج اطار تلك السياسات لا المحلية ولا الخارجية.
النائب عدنان طرابلسي، ينتمي الى جمعية "المشاريع الخيرية الاسلامية"(الأحباش)، وهي ترتبط تاريخيا بعلاقات مميزة مع السوريين، وحلفائهم في لبنان. لكن الحركة حيّدت نفسها عن المواجهات السياسية في السنوات الماضية، وتفرّغت لإدارة شؤون مناصريها، واستطاعت ان تحقق ارقاما قيّمة في الانتخابات الأخيرة، من دون ان يكون هناك فضل لأحد على مرشحيها.
بالمحصلة، لكل نائب كتلته او ارتباطاته، او حساباته، جمعتهم المصلحة بفرض وجودهم بدعم من "حزب الله"، لغاية الحصول على مقعد وزاري سنّي، وعندما تحقق الهدف، بطُلت اسباب الجمع الموقّت.
اساسا، لا يناسب الحزب المذكور ان يتم اخلاء كتلة "الوفاء للمقاومة" من نائب سنّي، ولا عدم وجود واحد في كتلة "التنمية والتحرير"، ولا مصلحة بتنحيف كتلة فرنجيّة بسحب نائبين منها. وهكذا لكل نائب مكانه الاساسي، الذي انطلق منه نحو تأليف "اللقاء التشاوري" الموقت.
للدلالة على الموقت هو ما حصل في الساعات الماضية من تصادم مصالح الستّة ببعضهم البعض، نتيجة السباق الى فرض وزير.
انحاز سكرية لمرشح مراد، نجله حسن، رغم ان المعلومات ذكرت ان الحزب طالبه بأن يكون متفرجا فقط، لكنه أُحرج امام صديقه مراد. وانحاز جهاد الصمد لصالح مرشّح كرامي عثمان مجذوب، رغم ان الصمد لم يكن قد حدّد موقفه في اول مشوار الاختيار. اما طرابلسي فأراد رفيقه في "المشاريع" المرشح السابق طه ناجي، الذي يطعن حالياً بنتيجة النائب ديما جمالي في طرابلس. أمّا هاشم فسمّى جواد عدرة، الذي تشير المعلومات الى انه يحظى بدعم بري، و"حزب الله"، ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل معا. وتضيف المعلومات نفسها ان اسم عدرة تم الاتفاق عليه كجزء من التسوية الحكومية، ولم يكن خيار هاشم، ولا نتيجة ميل بري وحده.
فماذا فعل باقي اعضاء اللقاء؟ بحسب المعلومات، حين عرفوا من الاعلام بإسم عدرة، استفسروا من بعضهم عمّن وضع اسمه في مغلّف وسلمه للوسيط اللواء عباس ابراهيم، ردّ هاشم بالإيجاب، فثار احدهم غضباً(يُقال انه الصمد)، معتبرا ان عدرة هو خيار بري، ورفض المضي به.
وافقه مراد الذي يريد فرض نجله حسن، وكذلك فعل طرابلسي الذي سعى لإيصال ناجي، امّا كرامي الذي لم يكن يودّ الدخول في تسوية تُبطل توزيره، فلا زال يصرّ على المجذوب بديلا من الآخرين. هنا بيت القصيد: كل يغني على ليلاه. عمليا، فرط عقد "التشاوري". انتهى دوره. سيعود كل نائب الى كتلته الاساسية. وحده النائب اسامة سعد يترقب عن بعد. لا بدّ انه يضحك طويلاً. هو قرأ مسبقاً مسار ونتائج لقاءات آنية بعناوين مذهبيّة، ولذلك رفض ان يكون فردا منهم.