قادت العقدة الدرزية أولاً ثم العقدة السنية أهل الحل والربط الى استنباط مخارج غير مألوفة، في الشكل، في مسار تأليف الحكومات منذ إقرار «اتفاق الطائف»، وكرّست أعرافاً في قاموس التسويات لا تعكس سوى «عقم» الطبقة السياسية!
بَالغَ بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» أمس الأول في حديثه عن انتزاع «اللقاء التشاوري» مقعداً وزارياً سيكون في تصرّف أعضائه، أقلّه لأنه استبقَ تسوية لم تكن كل بنودها قد تُرجمت ولا تمّ الاتفاق عليها. وأولى هذه البنود لمصلحة مَن سيذهب صوت الوزير السنّي المتّفَق عليه في مجلس الوزراء؟
الجواب عن هذا السؤال سيجرّ تلقائياً الى السؤال «اللغم»: هل سينضمّ عدرا الى «لقاء المحرومين» من نِعمَة الوزارة؟ وأصلاً هل سيبقى كيان «اللقاء التشاوري» قائماً بعد صدور مراسيم الحكومة الجديدة التي حافظ فيها الرئيس المكلّف سعد الحريري على حصة سنّية تَنازلَ منذ البداية عن مقعد فيها لرئيس الجمهورية؟
السؤال الأول لا يجد إجابة عنه بعد، جواد عدرا نفسه. تبدو الأمور متروكة لـ«الوقت» مع بدء الحكومة عقد اجتماعاتها، مع العلم أنّ مطلعين يؤكدون أنّ التركيبة الوزارية الجديدة ستُسيّرها الائتلافات الكبرى في القضايا الأساسية، حيث يعتبر صوت أي وزير آخر من خارج هذه الاصطفافات لزوم ما لا يلزم!
ويبدو وفق المعلومات، ردّاً على التساؤل الذي طُرِح منذ لحظة السير في خيار عدرا وزيراً من خارج عباءة تيار «المستقبل» ومحسوباً في المبدأ على خط 8 آذار، عن احتمال انضمامه الى «اللقاء التشاوري»، أنّ عدرا وبعد صدور مراسيم الحكومة ومناقشة بيانها الوزاري، سيُعلن موقفه من موقعه «المُلتَبس»، وليس قبل ذلك.
وهذا ما يفسّر «الحركة بلا بركة» التي لم تُفضِ أمس الى لقاء علني وجهاً لوجه بين عدرا و»التشاوري»، الذي أبقى اجتماعاته مفتوحة وانتظر ردود «وزيره المُفترض» على مطلبه وموقفاً رئاسياً حاسماً يقضي بعدم مَدّ اليَد الى «حصة» «التشاوري» في الحكومة. مع العلم أنّ ممثلَين عن «التشاوري»، هما عثمان مجذوب وهشام طبارة، التقيا أمس عدرا في مكتبه في وسط بيروت، لكنهما لم يأخذا منه التزاماً بـ»الالتزام»، حيث طلب مزيداً من الوقت!
وبَدا لافتاً إعلان أعضاء في «اللقاء» أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون «لم يُسَمّ بعد وزير «اللقاء التشاوري»، وبالتالي نحن لا نزال نتكلّم عن الأسماء الأربعة التي رُفعت الى عون على أن يختار منها، وعدرا أحدها»، مؤكدين في الوقت عينه «أننا ملتزمون المبادرة الرئاسية بكل بنودها، وننتظر من المعنيين بالتأليف الالتزام بها»، في إشارة الى الكلام الصباحي الذي أدلى به كرامي وقال فيه: «إذا صَفت النيّات تولد الحكومة خلال ساعة».
وفيما لا يزال الغموض يحوط بواقع قبول «حزب الله» بتسوية روّج لها بمثابة انتصار للفريق السني المعارض فيما أعضاء هذا الفريق يعيشون «نكبة» حقيقية، تؤكد معلومات أنّ عون، وعلى رغم من تسريب إسم مرشّحه للمقعد السنّي فادي عسلي، يحتفظ منذ مدة بورقة عدرا بين يديه، وحين قرّر القيام بخطوة تنازلية تولّى الوزير جبران باسيل تسويق الاسم لدى «حزب الله» الذي لم يُبد ممانعة، خصوصاً أنّ توزيره يعكس «نَفَساً» سنياً متمايزاً في وضوح عن سياسة الحريري، وهذا الأمر ملموس بالقول والفعل لدى الحزب، أمّا رئيس مجلس النواب نبيه بري فـ»شهادته مجروحة» بعدرا. حدثَ كل ذلك، فيما سقف أعضاء «اللقاء التشاوري» خلال لقائهم اللواء عباس ابراهيم كان خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في 10 تشرين الثاني الماضي!
وحتى أمس كانت التسوية الرئاسية لا تزال في بندها الخامس، الذي ينصّ على أن يكون الاسم الذي يختاره رئيس الجمهورية ممثلاً عن اللقاء التشاوري» ويعبّر عن موقفه، مَدار نقاش من ضمن إخراج يحفظ قبل أي شئ آخر ماء وجه أعضاء «اللقاء المنكوب». وعلى هذا الأساس جرت محاولة لعقد لقاء يجمع عدرا بأعضاء «التشاوري» في منزل النائب فيصل كرامي، على أن يتكلّل بإعلان صريح عن «انتماء» الوزير السني الى «اللقاء» والتعبير عن مواقفه داخل الحكومة، لكنّ هذا الأمر لم يحصل.
وقد سبق هذا الإخراج محاولات باسيل لجَعل عدرا، بصفته ممثلاً لـ«اللقاء»، من حصة الرئيس بالمضمون، وليس فقط بالشكل، بمعنى الالتزام بتوجيهات رئيس الجمهورية داخل مجلس الوزراء، فيما الحريري كان لا يزال حتى البارحة يرفض الاجتماع بأعضاء «اللقاء» حتى في القصر الجمهوري.
الوضع «الوزاري» المُلتبس لعدرا يسلّط الضوء على حصة رئيس الجمهورية التي تتألف من3 وزراء: مسيحي وسني ودرزي. فالمسيحي «المضمون» يقابله في الواقع وزير درزي مرجعيته «حزب الله» أساساً، والسنّي لا تزال «هويته» الوزارية قيد الدرس!