احتفلت الجمهورية في اسيا المركزية والسوفيتية السابقة كازاخستان في الآونة الأخيرة، بالذكرى السنوية السابعة والعشرين لاستقلالها. وكازاخستان هي إحدى الجمهوريات الـ15 التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وارثة من القوى العظمى اقتصادًا مثقلاً واضطرابات اجتماعية بعد ان توقفت المصانع عن العمل والانتاج، كما حصل تقنين متقطع للتيار الكهربائي، وتقاضى الموظفون رواتبهم على دفعات متأخرة، وقتها قلة قليلة من الشعب آمنت بأن جمهورية كازاخستان الشابة الجديدة ستتمكن من الوقوف على قدميها وستحقق النجاح كدولة فتية.
في تلك السنوات، توقع أحد الباحثين المعروفين وهو مستشار لرئيس الولايات المتحدة زبيغنيو بريجنسكي أن كازاخستان "تتفكك بسبب عدم الاستقرار العرقي"، وهذا يعني التكوين المتعدد الأعراق والديني لسكان البلاد.رغم ذلك، وفي فترة قصيرة، حصل تحولّ وتطور في البلاد جعل منها دولة متطورة وواثقة ومتكاملة في مجال العمليات الحكومية الدولية، واليوم اثبتت كازاخستان للعالم بأنها اصبحت مدرسة للسلام بين الاعراق، حيث يسكن أكثر من 100 ممثل مجموعة عرقية و18 طائفة يعيشون في سلام ووئام. وتعتبر كازاخستان الحديثة دولة مستقرة سياسياً تتمتع بإمكانيات اقتصادية قوية كما اصبحت محرك التكامل الإقليمي، وهي تستقطب استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات إلى المنطقة. و لاحقاً، صرح زبيغنيو بريجنسكي "أعترف بأنني لم أهتم كثيراً بكازاخستان، هذا البلد واقع جديد في آسيا الوسطى. منذ الاستقلال، أظهرت كازاخستان تقدمًا كبيرًا في التنمية الاقتصادية، وقد أقامت علاقات صداقة وحسن الجوار مع العالم الخارجي ".
من اهم عوامل نجاح كازاخستان هو وجود دائم لـ"استراتيجية الدولة"، ولان رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف واثق من أن الدولة والمجتمع يحتاجان من أجل التنمية الناجحة إلى: "صورة إيجابية للمستقبل وخطة واقعية للتحرك نحو ذلك". وقد قام بعد تطويره لاستراتيجية "كازاخستان 2030" ، بتحديد واضح لأهداف التنمية طويلة الأجل. وتعمل هذه الدولة حاليًا على تنفيذ خطط طموحة بالفعل في إطار الاستراتيجية 2050 التي تم تبنيها في عام 2012. والاتجاه الثاني المهم، الذي حققت كازاخستان من خلاله اختراقاً، هو الرهان على التعليم وتنمية الإمكانيات الفكرية للبلاد. ففي أوائل التسعينات قرر الرئيس نزارباييف توجيه الشباب بشكل مكثف إلى أفضل الجامعات في العالم على حساب الدولة. الهدف هو إعداد أفضل المتخصصين للقطاعات ذات الأولوية في اقتصاد البلد. وبفضل البرنامج الرئاسي "بولاشاك" (المستقبل)، تم تدريب وتحضير ما يقارب من 11 ألف شاب وشابة، وها هم الآن ينفذون بنشاط أفضل الممارسات العالمية في مختلف مجالات كازاخستان. وقد كان تطوير التعليم ومنذ الأيام الأولى للاستقلال أولوية لسياسة الدولة وهي تعمل عام بعد عام على زيادة ميزانية التمويل للتعليم.
وتعدّ جامعة نزارباييف في أستانا، جامعة عالمية تعمل وفقًا لمعايير اكاديمية دولية ومبادئ الحرية الأكاديمية. كما افتتح في جميع أنحاء البلاد المدارس الفكرية من النوع الجديد. وقد أعلنت كازاخستان منذ البداية عن انفتاح البلاد على الأعمال والمستثمرين، وهي تسعى لدخول قائمة أفضل 30 دولة متقدمة في العالم من حيث تحسين القوانين باستمرار وتهيئة الظروف لمشاركة الأعمال النشطة في تنمية البلاد، مما يجعلها جذابة للمستثمر الأجنبي. وعلى مدار أكثر من 27 عامًا، وصل إلى كازاخستان أكثر من 300 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة والتي تمثل حوالي 70٪ من إجمالي التدفق إلى بلدان آسيا الوسطى. ورغم ان كازاخستان، تحتل المرتبة السادسة في العالم من حيث الموارد الطبيعية، فإنها تبتعد تدريجياً عن الاعتماد على السلع الاساسية والمواد الخام، وقد قامت منذ 10 سنوات باعتماد برنامج تطوير صناعي مبتكر لتحقيق هذا الغرض. وحالياً أصبحت الصناعة التحويلية المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في كازاخستان وقد ظهرت مفاعيلها ونتائجها الايجابية. واتاحت الإنجازات الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية لهذا البلد القيام بدور نشط في السياسة الدولية.
واليوم كازاخستان عضو فاعل في جميع المنظمات الدولية الرائدة. وتستكمل في هذا العام، و بنجاح عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتقوم أستانا وبشكل منتظم بعقد مؤتمرات "قادة الديانات العالمية والتقليدية"، وتعمل كوسيط فعال في حل النزاعات الدولية. وقد خطت خطوة البداية على طريق التنمية المستقلة، وهي بداية مستقبل عظيم ونجاح أكبر لهذا البلد.